والترهيب. ومعنى الكلام : إنّي أدعوك إلى الحسن ، وأزجرك عن القبائح ، كراهة أن تكون ، أو لئلّا تكون من الجاهلين الّذين يسألون شيئا قبل أن يتأمّلوا فيه تأمّلا تامّا ، ليعلموا صحّة سؤالهم عن فسادهم. ولا شكّ أنّ وعظه سبحانه يصرف عن الجهل وينزّه عن القبيح.
(قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ) أن أطلب منك فيما يستقبل (ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) ما لا علم لي بصحّته ، تأدّبا بأدبك واتّعاظا بموعظتك (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي) وإن لم تغفر لي ما فرط منّي في السؤال الّذي يكون تركه أولى. والمراد بالغفران هنا لازمه ، وهو إعطاء الثواب على فعل الأولى ، وعدم حرمانه منه لتركه.
(وَتَرْحَمْنِي) بالتوبة عن ترك الندب (أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) أعمالا ، لتفويتي الثواب الّذي يترتّب على فعل الأولى. وقيل : قاله على سبيل الخضوع لله عزّ اسمه والتذلّل له والاستكانة ، وإن لم يسبق منه ذنب لعصمته.
(قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩))
ثمّ حكى الله سبحانه ما أمر به نوحا حين استقرّت سفينته على الجبل بعد خراب الدنيا بالطوفان ، فقال : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا) انزل من السفينة مسلما محفوظا من المكاره من جهتنا ، أو مسلّما عليك مكرّما (وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ) ومباركا عليك حالا بعد حال. والبركات : الخيرات الناميات. أو زيادات في نسلك