فما حاله أو فماله لم ينج؟ ويجوز أن يكون هذا النداء قبل غرقه (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) لأنّك أعلمهم وأعدلهم. أو لأنّك أكثر حكمة من ذوي الحكم ، على أنّ الحاكم من الحكمة ، كالدارع من الدرع.
(قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) لقطع الولاية بين الكافر والمؤمن. وأشار إليه بقوله : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) فإنّه تعليل لنفي كونه من أهله. وأصله : إنّه ذو عمل فاسد ، فجعل ذاته ذات العمل الفاسد للمبالغة. ثمّ بدّل الفاسد بغير الصالح ، تصريحا بالمناقضة بين وصفي الأهليّة وغير الصلاح ، وانتفاء ما أوجب النجاة ـ من صالح العمل ـ لمن نجا من أهله عنه. وقرأ الكسائي ويعقوب : إنّه عمل ، أي : عمل عملا غير صالح.
وفيه إيذان بأنّ قرابة الدين غامرة لقرابة النسب. وفي الحديث القدسي : «خلقت الجنّة لمن أطاعني ولو كان عبدا حبشيّا ، وخلقت النار لمن عصاني ولو كان سيّدا قرشيّا».
(فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) فلا تلتمس منّي التماسا لا تعلم أصواب هو أم غير صواب؟ حتّى تقف على كنهه. وإنّما سمّى نداءه سؤالا لتضمّن ذكر الوعد بنجاة أهله استنجازه في شأن ولده ، أو استفسار المانع للإنجاز في حقّه. وإنّما سمّاه جهلا وزجر عنه بقوله : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) لأنّ استثناء من سبق عليه القول من أهله قد دلّه على الحال ، وأغناه عن السؤال ، لكن أشغله عنه حبّ الولد حتّى اشتبه الأمر عليه.
وقرأ ابن كثير بفتح اللام والنون المشدّدة. وكذا نافع وابن عامر ، غير أنّهما كسرا النون ، على أنّ أصله : تسألنّني ، فحذفت نون الوقاية ، لاجتماع النونات ، وكسرت الشديدة للياء ، ثمّ حذفت اكتفاء بالكسرة. وعن نافع إثباتها في الوصل.
والوعظ : الدعاء إلى الحسن ، والزجر عن القبيح ، على وجه الترغيب