ولو شاء الله أن يبعث إلى البشر رسلا لبعث من جنس أفضل ، وهم الملائكة (تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) بهذه الدعوى (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) يدلّ على فضلكم واستحقاقكم لهذه المزيّة ، أو على صحّة ادّعائكم النبوّة. وقد جاءتهم رسلهم بالبيّنات والحجج لكن لم يعتبروها عنادا ، واقترحوا عليهم آية اخرى تعنّتا ولجاجا.
(قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢))
ثمّ حكى جواب الرسل للكفّار ، فقال : (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ) سلّموا مشاركتهم إيّاهم في البشريّة ، وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنبوّة فضل الله تعالى ومنّه عليهم ، ولم يذكروا فضلهم تواضعا منهم ، فاقتصروا على قولهم : «وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ» (مِنْ عِبادِهِ) بالنبوّة ، لأنّه قد علم أنّه لا يختصّهم بتلك الكرامة إلّا وهم أهل لاختصاصهم بها ، لخصائص فيهم قد استأثروا بها على أبناء جنسهم.
(وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : ليس إلينا الإتيان بالآيات ، ولا يستبدّ به استطاعتنا حتّى نأتي بما اقترحتموه ، وإنّما هو أمر يتعلّق بمشيئة الله تعالى ، فيخصّ كلّ نبيّ بنوع من الآيات.
(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) عمّموا الأمر بالتوكّل للإشعار بما يوجب