(ذلِكَ) إشارة إلى الكفر بعد الايمان ، أو الوعيد (بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) بسبب استحبابهم الدنيا على الآخرة (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) وبسبب استحقاقهم نخلّيهم وخذلانهم ، لأجل انهماكهم في الكفر والعناد.
(أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) برفع التوفيق واللطف عنهم ، فيخلّيهم لفرط عنادهم ولجاجهم ، فأبت قلوبهم وحواسّهم عن الاعتراف بالحقّ (وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) الكاملون في الغفلة ، فلا أغفل منهم ، لأنّهم غفلوا عن تدبّر عاقبة حالهم في الآخرة ، وذلك غاية الغفلة ومنتهاها.
(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) إذ ضيّعوا أعمارهم ، وصرفوها فيما أفضى بهم إلى العذاب المخلّد.
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) أي : عذّبوا ، كعمّار وأصحابه.
و «ثمّ» لتباعد حال هؤلاء عن حال أولئك. يعني : إنّ ربّك لهم لا عليهم ، بمعنى : أنّه وليّهم وناصرهم ، لا عدوّهم وخاذلهم. وقرأ ابن عامر : فتنوا بالفتح ، أي : بعد ما عذّبوا المؤمنين ، كالحضرمي أكره مولاه جبرا حتّى ارتدّ ثمّ أسلما وهاجرا ، كما قال : (ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا) على الجهاد وما أصابهم من المشاقّ (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) من بعد الهجرة والجهاد والصبر (لَغَفُورٌ) لما فعلوا قبل (رَحِيمٌ) ينعم عليهم مجازاة على ما صنعوا بعد.
(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ) منصوب بـ «رحيم» أو بـ : أذكر. والمراد يوم القيامة.
(تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) عن ذاتها ، وتسعى في خلاصها ، لا يهمّها شأن غيرها ، فتقول : نفسي نفسي. ومعنى المجادلة : الاحتجاج عنها والاعتذار لها ، كقولهم : (هؤُلاءِ