ثمّ أخرجكم من الضيق إلى السعة ، مستصحبين جهل الجماديّة. ويجوز أن يكون «شيئا» مصدرا ، أي : لا تعلمون علما.
(وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) وركّب فيكم هذه الآلات والأدوات لإزالة الجهل الّذي ولدتم عليه ، واجتلاب العلم والعمل به ، من معرفة المنعم وعبادته ، والقيام بحقوقه ، والترقّي إلى ما يسعدكم ، فإنّكم أوّلا تحسّون بمشاعركم جزئيّات الأشياء فتدركونها ، ثمّ تتنبّهون بقلوبكم لمشاركات ومباينات بينها ، بتكرّر الإحساس حتّى تتحصّل لكم العلوم البديهيّة ، وتتمكّنوا من تحصيل المعالم الكسبيّة بالنظر فيها.
(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) كي تعرفوا ما أنعم الله عليكم طورا بعد طور فتشكروه.
والأفئدة جمع الفؤاد ، كالأغربة في غراب. وهي من جموع القلّة الّتي جرت مجرى جموع الكثرة.
(أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩))
ثمّ عطف سبحانه على ما تقدّم من الدلائل بدلالة اخرى ، فقال : (أَلَمْ يَرَوْا) ينظروا ويتفكّروا (إِلَى الطَّيْرِ) قرأ ابن عامر وحمزة ويعقوب بالتاء ، على أنّه خطاب للعامّة (مُسَخَّراتٍ) مذلّلات للطيران صاعدة ومنحدرة ، ذاهبة وجائية ، بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المؤاتية لذلك (فِي جَوِّ السَّماءِ) في الهواء المتباعد من الأرض في سمت العلوّ (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ) فإنّ ثقل جسدها يقتضي سقوطها ، ولا علاقة فوقها ، ولا دعامة تحتها تمسكها.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) في تسخير الطير للطيران ، بأنّ خلقها خلقة يمكن معها الطيران ، وخلق الجوّ بحيث يمكن الطيران فيه ، وإمساكها في الهواء على خلاف