عددهم وعددهم ، وأوهمهم أنّ اتّباعهم إيّاه فيما يظنّون أنّها قربات مجير لهم ، حتّى قالوا : اللهمّ انصر أهدى الفئتين ، وأفضل الدينين ، كما ذكر.
(فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ) أي : تلاقى الفريقان (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) رجع القهقرى ، أي : بطل كيده ، وعاد ما خيّل إليهم أنّه مجيرهم سبب هلاكهم (وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) من إمداد الملائكة للمسلمين (إِنِّي أَخافُ اللهَ) أخاف عذاب الله على أيدي من أراهم. يعني : تبرّأ منهم ، وخاف عليهم ، وأيس من حالهم ، لمّا رأى إمداد الله تعالى المسلمين بالملائكة.
قيل : لمّا اجتمعت قريش على المسير ذكروا ما بينهم وبين كنانة من الحرب ، وكاد ذلك يثبّطهم ، فتمثّل لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك بن جعشم الشاعر الكناني ـ وكان من أشرافهم ـ في جند من الشياطين معه راية ، وقال : لا غالب لكم اليوم ، وإنّي مجيركم من بني كنانة ، فلمّا رأى الملائكة تنزل نكص.
وروي : كانت يده في يد الحارث بن هشام ، فلمّا نكص قال له الحارث : إلى أين؟ أتخذلنا في هذه الحال؟ قال : إنّي أرى ما لا ترون ، ودفع في صدر الحارث وانطلق. وانهزموا ، فلمّا بلغوا مكّة قالوا : هزم الناس سراقة. فبلغ ذلك سراقة فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتّى بلغتني هزيمتكم. فلمّا أسلموا علموا أنّه الشيطان.
وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام. ونقل عن الكلبي.
وهذا هو المشهور بين المفسّرين.
وعلى هذا يحتمل أن يكون معنى قوله : (إِنِّي أَخافُ اللهَ) أنّي أخافه أن يصيبني مكروها من الملائكة ، أو يهلكني. ويكون الوقت في قوله : (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (١) هذا الوقت الموعود ، إذ رأى فيه ما لم ير قبله ، فإنّ الملائكة لا ينزلون إلّا لقيام الساعة أو للعذاب. والأوّل قول الحسن ، واختيار ابن بحر.
__________________
(١) الحجر : ٣٨.