وإنّما جاء تعليق فعل البلوى بـ «خلق» لما فيه من معنى العلم ، من حيث إنّه طريق إليه ، كالنظر والاستماع ، كما في قولك : أنظر أيّهم أحسن وجها واسمع أيّهم أحسن صوتا. وإنّما ذكر صيغة التفضيل والاختبار شامل لفرق المكلّفين باعتبار الحسن والقبح ، للتحريض على أحاسن المحاسن ، والتحضيض على الترقّي دائما في مراتب العلم والعمل ، فإنّ المراد بالعمل ما يعمّ عمل القلب والجوارح ، ولذلك قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أيّكم أحسن عقلا ، وأورع عن محارم الله ، وأسرع في طاعة الله تعالى؟».
والمعنى : أيّكم أكمل علما وعملا؟
(وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ) فتوقّعوه (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا) أي : ما البعث ، أو القول به. أو القرآن المتضمّن لذكره (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) إلّا كالسحر في الخديعة أو البطلان. وقرأ حمزة والكسائي : إلّا ساحر ، على أنّ الإشارة إلى قائل هذا القول ، وهو الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) الموعود (إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) إلى جماعة متعاقبة من الأوقات قليلة.
روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام : «أنّ الأمّة المعدودة هم أصحاب المهدي في آخر الزمان ، ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، كعدّة أهل بدر ، يجتمعون في ساعة واحدة كما يجتمع قزع (١) الخريف».
(لَيَقُولُنَ) استهزاء (ما يَحْبِسُهُ) أيّ شيء يمنعه من الوقوع استعجالا (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) كيوم بدر (لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) ليس العذاب مدفوعا عنهم. و «يوم» منصوب بخبر «ليس» مقدّم عليه. وهو دليل على جواز تقديم خبرها عليها ، وذلك لأنّه إذا جاز تقديم معمول خبرها عليها كان ذلك دليلا على جواز تقديم خبرها ، إذ المعمول تابع للعامل ، فلا يقع إلّا حيث يقع العامل.
__________________
(١) القزع : قطع من السحاب صغار متفرّقة.