وعن الجبّائي وأكثر المفسّرين أنّ المراد بهذه الصدقة الصدقة المفروضة ، أعني : الزكاة. وهو الظاهر ، لأنّ حمله على الخصوص بغير دليل لا وجه له ، فيكون أمرا بأن يأخذ من المالكين للنصاب الزكاة من الورق إذا بلغ مائتي درهم ، ومن الذهب إذا بلغ عشرين مثقالا ، ومن الإبل إذا بلغ خمسا ، ومن البقر إذا بلغت ثلاثين ، ومن الغنم إذا بلغت أربعين ، ومن الغلّات الأربع إذا بلغت خمسة أوسق.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا) الضمير إمّا للمتوب عليهم ، والهمزة للتقرير والتنبيه على وجوب علمهم بأنّ الله تعالى هو يقبل التوبة ، وهو الّذي يأخذ الصدقة. والمعنى : ألم يعلموا قبول توبتهم ـ قبل أن يتوب عليهم وتقبل صدقاتهم ـ والاعتداد بصدقاتهم.
أو الضمير لغيرهم ، والمراد به التحضيض عليهما.
(أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) إذا صحّت. وتعديته بـ «عن» لتضمّنه معنى التجاوز. (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) يقبلها إذا صدرت عن خلوص النيّة ، قبول من يأخذ شيئا ليؤدّي بدله (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) وأنّ من شأنه قبول توبة التائبين والتفضّل عليهم.
ويجوز أن تكون الهمزة للإنكار لعدم علمهم ، وذلك أنّهم لمّا سألوا الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يأخذ أموالهم ويقبل توبتهم كما تقدّم ذكره ، ولم يعلموا أنّه لا يقبل التوبة غير الله ولا يأخذ الصدقة إلّا هو ، أنكر ذلك عليهم. وفائدة لفظ «هو» للحصر ، أي : لا يقبل إلّا هو.
وفي الآية من المبالغة في وجوب العلم بقبول التوبة وأخذ الصدقة ، وأنّه كثير القبول للتوبة ورحيم بعباده ، ما يظهر لمن تدبّر تركيبها بإيراد الاستفهام بالمعنيين المذكورين ، وإردافه بالعلم ، ثمّ الإتيان بالجملة المؤكّدة بـ «أنّ» وأداة الحصر ، وذلك غاية رأفته بعباده ورحمته لهم.
(وَقُلِ اعْمَلُوا) ما شئتم (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) فإنّه لا يخفى عليه ، خيرا كان