وقال بعض الأشعريّة : إنّ المعنى نسلك الاستهزاء في قلوبهم. وهذا غير صحيح ، لأنّه لو كان الله قد سلك الاستهزاء في قلوبهم لسقط عنهم الذمّ والعقاب ، لأنّ ذلك ليس من فعلهم ، بل من فعل الله سبحانه فيهم ، فلهم أن يقولوا محتجّين عليه : عتبتنا وذممتنا ، وعذّبتنا بشيء أنت تخلقه فينا ، وليس لنا فيه اختيار ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
ثمّ قال تهديدا لهم على تكذيبهم : (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) طريقتهم الّتي سنّها الله في إهلاكهم حين كذّبوا برسلهم وبالذكر المنزل عليهم. وهو وعيد لأهل مكّة على تكذيبهم.
(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ) على هؤلاء المعاندين المقترحين (باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) يصعدون إليها ويرون عجائبها طول نهارهم. وتخصيص ذلك بالنهار ليكونوا مستوضحين لما يرون. وقيل : الضمير للملائكة ، أي : لو أريناهم الملائكة يصعدون في السماء عيانا.
(لَقالُوا) من غلوّهم في العناد وتشكيكهم في الحقّ (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) سدّت عن الإبصار بالسحر ، فإنّ اشتقاقه من السّكر بمعنى السدّ. ويدلّ عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف. أو حيّرت من السّكر ، أي : حارت كما يحار السكران. والمعنى : أنّ هؤلاء المشركين بلغ من غلوّهم في العناد أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء ، ويسّر لهم معراج يصعدون فيه إليها ، وشاهدوا ملكوت السماء ، أو رأو صعود الملائكة في السماء من العيان ، لقالوا : هو شيء نتخايله لا حقيقة له.
(بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) بل قالوا : قد سحرنا محمّد بذلك ، كما قالوه عند ظهور غيره من الآيات. وإنّما قال : «إنّما» ليدلّ على أنّهم يقطعون بأنّ ذلك ليس إلّا تسكيرا لأبصارهم.