واستهزائهم ، ولذلك أكّده من وجوه ، وهي : إيراد حرف التحقيق ، وتأكيد الضمير ، والإسناد إلى نفسه ، وصيغة المبالغة ، وتقريره بقوله : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) أي : من كلّ زيادة ونقصان ، وتغيير وتحريف ، بخلاف الكتب المتقدّمة ، فإنّه لم يتولّ حفظها ، وإنّما يستحفظها الربّانيّون والأحبار. ولم يكل القرآن إلى غير حفظه ، ليكون إلى آخر الدهر معجزا مباينا لكلام البشر ، لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللسان ، فتنقله الأمّة عصرا بعد عصر على ما هو عليه ، فيكون حجّة على الخلق.
وقيل : الضمير في «له» للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١).
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمّد رسلا. حذف المفعول لدلالة الإرسال عليه. (فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) في فرقهم. جمع شيعة ، وهي الفرقة المتّفقة على طريق ومذهب ، من : شاعه ، إذا تبعه. والمعنى : نبّأنا رجالا فيهم وجعلناهم رسلا فيما بينهم.
(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) كما يفعل هؤلاء. وهو تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. و «ما» للحال لا يدخل إلّا مضارعا بمعناه ، أو ماضيا قريبا منه. وهذا على حكاية الحال الماضية.
(كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) ندخل الذكر (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) والسلك إدخال الشيء في الشيء ، كالخيط في المخيط ، والرمح في المطعون.
(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) حال من مفعول «نسلكه». والمعنى : مثل ذلك السلك نسلك الذكر ونلقيه في قلوب المجرمين مكذّبا غير مؤمن به ، كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها فقلت : كذلك أنزلها باللئام ، يعني : مثل هذا الإنزال أنزلها بهم مردودة غير مقضيّة. أو يكون قوله : «لا يؤمنون» بيانا للجملة المتضمّنة للضمير.
__________________
(١) المائدة : ٦٧.