مؤتمن على كلّ شيء.
روي أنّه لمّا خرج من السجن كتب على بابه : «هذا قبور الأحياء ، وبيت الأحزان ، وتجربة الأصدقاء ، وشماتة الأعداء». ثمّ اغتسل وتنظّف ولبس ثيابا جددا ، وهو يومئذ كان ابن ثلاثين سنة ، فلمّا رآه الملك شابّا حدث السنّ قال : يا غلام أنت مأوّل رؤياي؟ قال : نعم. فأقعده قدّامه ، وقصّ عليه رؤياه.
وروي : أنّه لمّا دخل على الملك قال : اللهمّ إنّي أسألك بخيرك من خيره ، وأعوذ بعزّتك وقدرتك من شرّه. ثمّ سلّم عليه ودعا له بالعبرانيّة.
فقال : ما هذا اللسان؟
قال : لسان آبائي. وكان الملك يعرف سبعين لسانا ، فكلّمه بها ، فأجابه بجميعها. فتعجّب منه ، فقال : أحبّ أن أسمع رؤياي منك شفاها.
فقال يوسف : نعم ، أيّها الملك رأيت سبع بقرات سمان شهب حسان ، كشف لك عنهنّ النيل ، فطلعن عليك من شاطئه ، تشخب أخلافهنّ (١) لبنا.
فبينا تنظر إليهنّ ويعجبك حسنهنّ ، إذ نضب (٢) النيل فغار ماؤه وبدا يبسه ، فخرج من حمئه ووحله سبع بقرات عجاف شعث غبر ، مقلّصات (٣) البطون ، ليس لهنّ ضروع وأخلاف ، ولهنّ أنياب وأضراس ، وأكفّ كأكفّ الكلاب ، وخراطيم كخراطيم السباع. فاختلطن بالسمان ، فافترستهنّ افتراس السبع ، فأكلن لحومهنّ ، ومزّقن جلودهنّ ، وحطّمن عظامهنّ ، وتمشّشن (٤) مخّهنّ.
فبينا أنت تنظر وتتعجّب إذا سبع سنابل خضر وأخر سود في منبت واحد ،
__________________
(١) الأخلاف جمع الخلف ، وهو : حلمة ضرع الناقة ، أي : مكان مصّ الحليب من الثدي.
(٢) نضب الماء : غار في الأرض.
(٣) أي : انكمشت بطونهنّ هزالا.
(٤) تمشّش العظم : مصّه واستخرج منه المخّ.