عروقهنّ في الثرى والماء.
فبينا أنت تقول في نفسك : أنّى هذا وهؤلاء خضر مثمرات ، وهؤلاء سود يابسات ، والمنبت واحد ، وأصولهنّ في الماء؟ إذ هبّت ريح فذرّت الأوراق من اليابسات السود على الثمرات الخضر ، فاشتعلت فيهنّ النار وأحرقتهنّ ، وصرن سودا متغيّرات. فهذا آخر ما رأيت من الرؤيا ، ثمّ انتبهت من نومك مذعورا.
فقال الملك : والله ما شأن هذه الرؤيا بأعجب ممّا سمعته منك ، فما ترى في رؤياي أيّها الصديق؟
فقال يوسف : أرى أن تجمع الطعام ، وتزرع زرعا كثيرا في هذه السنين المخصبة ، فتجمع الحبوب بقصبها وسنبلها لتأمن من السوس ، ويكون القصب والسنبل علفا للدوابّ. ويأتيك الخلق من النواحي ، فيمتارون منك بحكمك ، ويجتمع عندك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد ذلك.
فقال الملك : ومن لي بهذا؟ ومن يجمعه ويبيعه ، ويكفي الشغل فيه؟
فعند ذلك (قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) ولّني أمر أرض مصر (إِنِّي حَفِيظٌ) لها ممّن لا يستحقّها (عَلِيمٌ) بوجوه التصرّف فيه. وإنّما قال ذلك لأنّه عليهالسلام لمّا رأى أنّه يستعمله لا محالة آثر ما تعمّ فوائده وتجلّ عوائده ، فيتوصّل بذلك إلى إمضاء أحكام الله ، وبسط العدل ، ووضع الحقوق موضعها.
وفيه دليل على جواز طلب التولية ، وإظهار أنّه مستعدّ لها ، والتولّي من يد الكافر ، إذا علم أنّه لا سبيل إلى إقامة الحقّ وسياسة الخلق إلّا بالاستظهار به.
روي : أنّ الملك أجلسه على السرير ، وفوّض إليه أمره. وقيل : توفّي قطفير في تلك السنين فنصبه في منصبه ، وزوّج منه راعيل ، فوجدها عذراء ، وولدت له أفرائيم وميشا.
وروي : أنّ الملك كان يصدر عن رأيه ، ولا يعترض عليه في كلّ ما رأى ،