من البلع بمعنى النشف (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) أمسكي عن المطر ، من الإقلاع بمعنى الإمساك. نوديا بما ينادى به أولوا العلم ، وأمرا بما يؤمرون ، تمثيلا لكمال قدرته وانقيادهما لما يشاء تكوينه فيهما ، بالآمر المطاع الّذي يأمر المنقاد لحكمه المبادر امتثال أمره ، مهابة من عظمته ، وخشية من أليم عقابه.
وفي الكشّاف : «أمرهما بما يؤمر به أهل التمييز والعقل من الدلالة على الاقتدار العظيم ، وأنّ الأجرام العظام منقادة لتكوينه فيها ما يشاء ، غير ممتنعة عليه ، كأنّها عقلاء مميّزون ، قد عرفوا عظمته وجلالته وثوابه وعقابه وقدرته على كلّ مقدور ، وتبيّنوا تحتّم طاعته عليهم وانقيادهم له. وهم يهابونه ويفزعون من التوقّف دون الامتثال له ، والنزول على مشيئته على الفور من غير ريث» (١).
(وَغِيضَ الْماءُ) نقص ، من : غاضه إذا نقصه (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) وأنجز ما وعد من إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين (وَاسْتَوَتْ) استوت السفينة (عَلَى الْجُودِيِ) جبل بالموصل. وقيل : بالشام. وقيل : بآمد. (وَقِيلَ بُعْداً) هلاكا (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يقال : بعد بعدا إذا بعّده بعدا بعيدا بحيث لا يرجى عوده ، ثمّ استعير للهلاك ، وخصّ بدعاء السوء.
وفي الأنوار : «هذه الآية في غاية الفصاحة ، لفخامة لفظها ، وحسن نظمها ، والدلالة على كنه الحال ، مع الإيجاز الخالي عن الإخلال. وفي إيراد الأخبار على البناء للمفعول دلالة على تعظيم الفاعل ، وأنّه متعيّن في نفسه ، مستغن عن ذكره ، إذ لا يذهب الوهم إلى غيره ، للعلم بأنّ مثل هذه الأفعال لا يقدر عليها سوى الواحد القهّار» (٢).
وقال في المجمع : «وفي الآية من بدائع الفصاحة وعجائب البلاغة ما لا
__________________
(١) الكشّاف ٢ : ٣٩٧.
(٢) أنوار التنزيل ٣ : ١١٠.