(ما تَرَكَ عَلَيْها) على الأرض. وإنّما أضمرها من غير ذكر لدلالة الناس والدابّة عليها (مِنْ دَابَّةٍ) أي : ممّن يستحقّ العقوبة من الظالمين. ويؤيّده ما روي عن ابن عبّاس : أنّ معناه من مشرك يدبّ عليها. أو من دابّة ظالمة. أو لأهلك الدوابّ كلّها بشؤم ظلم الظالمين. وعن ابن مسعود : كاد الجعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم.
وقيل : لو أهلك الآباء بكفرهم لم يكن الأبناء.
وقيل : معنى الآية : لو يؤاخذهم بذنوبهم لحبس المطر عنهم حتى يهلك كلّ دابّة. وعلى هذا العذاب للظالم عقوبة ، ولغير الظالم عبرة ومحنة ، فيكون كالأمراض النازلة بالأولياء وغير المكلّفين ، فيعوّضون عنها.
وقيل : إنّه إذا هلك الظلمة ولم يبق مكلّف لا يبقى غيرهم من الحيوانات ، لأنّها إنّما خلقت للمكلّفين ، فلا فائدة في بقائها بعدهم.
(وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) سمّاه لأعمارهم أو لعذابهم كي يتوالدوا (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) بل هلكوا أو عذّبوا حينئذ لا محالة. ولا يلزم من عموم الناس وإضافة الظلم إليهم أن يكونوا كلّهم ظالمين حتّى الأنبياء عليهمالسلام ، لجواز أن يضاف إليهم ما شاع فيهم وصدر عن أكثرهم.
(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) أي : ما يكرهونه لأنفسهم ، من البنات ، والشركاء في الرئاسة ، والاستخفاف برسلهم ، والتهاون برسالتهم ، وجعلهم له أرذل الأموال ، ولأصنامهم أكرمها.
(وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) مع ذلك ، وهو (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) أي : عند الله ، كقوله : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) (١). هذا بدل من «الكذب» ، إذ هو قولهم : لنا البنون ولله البنات.
(لا) أي : ليس الأمر على ما وصفوه (جَرَمَ) ثبت وحقّا (أَنَّ لَهُمُ النَّارَ)
__________________
(١) فصّلت : ٥٠.