وهذا مرويّ عن ابن عبّاس ، وجابر بن عبد الله ، وأبي سعيد الخدري ، وقتادة ، والسدّي ، والضحّاك ، وجمع من المفسّرين.
إن قيل : فعلى هذا لم يكن قوله : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) تقسيما صحيحا ، لأنّ شرط التقسيم أن تكون صفة كلّ قسم منتفية عن قسيمه.
قلنا : ذلك الشرط من حيث التقسيم ، لانفصال حقيقي أو مانع من الجمع ، وهاهنا المراد مانع الخلوّ ، فإنّ المعنى المراد : أن أهل الموقف لا يخرجون عن القسمين ، وحالهم لا يخلو عن السعادة والشقاوة ، وذلك لا يمنع اجتماع الأمرين في شخص باعتبارين.
وقيل : الاستثناء من الخلود باعتبار أنّ أهل النار لا يخلّدون في عذاب النار وحده ، بل يعذّبون بالزمهرير ، وبأنواع أخر من العذاب سوى عذاب النار ، وبما هو أغلظ منها كلّها ، وهو سخط الله عليهم وخسئه لهم وإهانته إيّاهم ، كما أنّ أهل الجنّة لهم سوى الجنّة ما هو أكبر منها وأجلّ موقعا منهم ، وهو رضوان الله ، كما قال : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (١). فلهم ما يتفضّل الله به عليهم سوى ثواب الجنّة ممّا لا يعرف كنهه إلّا هو. فهو المراد من الاستثناء. والدليل عليه قوله : (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) أي : إنّه يفعل بأهل النار ما يريد من أنواع العذاب المخلّد ، كما يعطي أهل الجنّة عطاءه الّذي لا انقطاع له.
(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) بطاعات الله ، وانتهائهم عن المعاصي (فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) غير مقطوع. وهو تصريح بأنّ الثواب لا ينقطع.
وقيل : «إلّا» بمعنى : سوى ، كقولك : عليّ ألف إلّا الألفين القديمين. والمعنى :
__________________
(١) التوبة : ٧٢.