وإسحاق ويعقوب ، ارحم ضعفي وقلّة حيلتي وصغري» (١).
(وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً) آخر النهار (يَبْكُونَ) متباكين ليوهموه أنّهم صادقون. وفيه دلالة على أنّ البكاء لا يوجب صدق دعوى الباكي في دعواه.
روي أنّه لمّا سمع بكاءهم فزع وقال : ما لكم يا بنيّ هل أصابكم في غنمكم؟ قالوا : لا قال : فما لكم وأين يوسف؟
(قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) نتسابق في العدو أو في الرمي. وقد يشترك الافتعال والتفاعل ، كالانتضال والتناضل. (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) بمصدّق لنا ، لسوء ظنّك بنا ، وفرط محبّتك ليوسف (وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) من أهل الصدق والثقة عندك.
(وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) أي : ذي كذب ، بمعنى مكذوب فيه.
ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة ، كزيد عدل. و «على قميصه» في موضع النصب على الظرف ، أي : فوق قميصه ، أو على الحال من الدم إن جوّز تقديمها على المجرور.
روي أنّهم ذبحوا سخلة ولطخوا قميصه بدمها ، وزلّ عنهم أن يمزّقوه ، ولمّا سمع يعقوب بخبر يوسف صاح وسأل قميصه ، فأخذه وألقاه على وجهه وبكى حتّى خضب وجهه بدم القميص ، وقال : تالله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا ، أكل ابني ولم يمزّق عليه قميصه ، ولذلك (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) أي : سهّلت لكم أنفسكم ، وهوّنت في أعينكم أمرا عظيما ، من السول ، وهو الاسترخاء.
قيل : إنّه كان في قميص يوسف ثلاث آيات : حين قدّ من دبر ، وحين ألقي على وجه أبيه فارتدّ بصيرا ، وحين جاءوا عليه بدم كذب. فتنبّه يعقوب على أنّ الذئب لو أكله لخرق قميصه.
__________________
(١) تفسير عليّ بن إبراهيم ١ : ٣٤١.