(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ولا تخف من إبطانهم خداعا فيه ، فإنّ الله يعصمك من مكرهم ، ويحيقه بهم. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بنيّاتهم.
والآية مخصوصة بأهل الكتاب ، لاتّصالها بقصّتهم. وقيل : عامّة نسختها آية السيف (١). والأصحّ أنّها ليست بمنسوخة ، لأنّها في الموادعة لأهل الكتاب ، وآية السيف لعبّاد الأوثان.
(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ) في الصلح ، بأن يقصدوا به دفع أصحابك عن القتال ، حتّى يقوى أمرهم فيبدؤوكم بالقتال بالاستعداد التامّ (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) فإنّ محسبك الله تعالى وكافيك من مكرهم (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) جميعا ، ينصرونك على أعدائك ، يريد الأنصار ، وهم الأوس والخزرج.
(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) مع ما فيهم من العصبيّة والضغينة في أدنى شيء ، والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان ، فإنّه لم يكن حيّان من العرب بينهما من العداوة مثل ما كان بين هذين الحيّين ، فألّف الله بين قلوبهم حتّى صاروا كنفس واحدة في التحابّ والتوادّ ، وهذا من معجزاته صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وبيانه قوله : (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) أي : كان تناهي عداوتهم بحيث لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال لم يقدر على الألفة والإصلاح ، وإزالة ضغائن الجاهليّة (وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) بقدرته البالغة ، فإنّه المالك للقلوب ، يقلبها كيف يشاء. فتصافوا ، وصاروا أنصارا بميامن الإسلام ، وبركة سيّد الأنام عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.
(إِنَّهُ عَزِيزٌ) تامّ القدرة والغلبة ، لا يعصي عليه ما يريد (حَكِيمٌ) يعلم أنّه كيف ينبغي أن يفعل ما يريده.
__________________
(١) التوبة : ٥ و ٢٩.