أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ)(١) قطع" ألا إنهم" لئلا يستلزم عطفه على (" إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ") كونه مشاركا له في أنه من قولهم ، أو عطفه على" قالوا" كونه مختصا بالظرف اختصاص (قالوا) به لتقدمه عليه ، وهو (إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا) فإنهم مفسدون في جميع الأحيان ، سواء قيل لهم : لا تفسدوا ، أو لم يقل ؛ وكذلك قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ)(٢) قطع" ألا إنهم" لمثل ما تقدم في الآية السابقة ، ولك أن تحمل ترك العطف في (" اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ") على الاستئناف من حيث إن حكاية حال المنافقين في الذي قبله ، لما كانت تحرك السامعين أن يسألوا : ما مصير أمرهم وعقبى حالهم؟ وكيف معاملة الله إياهم؟ لم يكن من البلاغة أن يعرى الكلام عن الجواب ، فلزم المصير إلى الاستئناف ، وأن تقول في : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) ترك العطف فيه للاستئناف أيضا ؛ ليطابق مقتضى الحال ، وذلك أن ادعاءهم الصلاح لأنفسهم على ما ادعوه مع توغلهم في الإفساد مما يشوق السامع أن يعرف ما حكم الله عليهم ، فكان وروده بدون الواو ، وهو المطابق كما ترى ، وكذا في : (" أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ") ومن أمثلة الاستئناف قوله (٣) :
زعم العواذل أنّني في غمرة ... |
|
صدقوا ، ولكن غمرتي لا تنجلي. |
لم يعطف" صدقوا" على" زعم العواذل" للاستئناف ، وقد أصاب المحز ؛ وذلك أنه حين أبدى الشكاية عن جماعات العذل بقوله : " زعم العواذل أنني في غمرة" فكان مما يحرك السامع عادة ، ليسأل : هل صدقوا في ذلك أم كذبوا؟ صار هذا السؤال مقتضى الحال ، فبنى عليه تاركا للعطف على ما عليه إيراد الجواب عقيب السؤال ، وكذلك
__________________
(١) سورة البقرة الآيتان ١١ ـ ١٢.
(٢) سورة البقرة الآية ١٣.
(٣) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٥٩) ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (١٢٥) ، والعلوى في الطراز (٢ / ٤٧). والغمرة : الحيرة.