فقال : لقد أضاء بصيرة وإن عمي بصرا ، فقلنا له : أتعرف لمن الشعر؟ فقال : لا ، فبحثنا معه فوجدناه لبشار بن برد ، ثم خلوت معه فسألني : من أنت؟ فقلت : أنا فلان ، فقال : أنشدني شيئا من شعرك ، فأنشدته ، ثم انتهى حديثي معه إلى أن حكيت له حكاية الشاب الذي لقيته في طريقي وأنسيت أن أقول له إنه كان أعور فقال : فلما أنشدته :
إن كنت خنتك في الهوى |
|
فحشرت أقبح من فضيحه |
فقلت له : لم أستطع أن أزيد على هذا البيت شيئا ، فأسرع أن قال لي : فألّا زدت عليه :
وجحدت نعمة خالقي |
|
وفقدت مقلتي الصحيحه |
قال : فقلت : والله ما كان إلا أعور ، فمن أين لك هذا؟ قال : شمت إحدى عينيه على بيته.
أخبرنا أبو يوسف يعقوب بن محمود بن الحسين الساوي بالديار المصرية عن الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني قال : سمعت أبا الحسن علي بن بركات بن منصور التاجر الرحبي بالذنبة من مضافات دمشق يقول : سمعت أبا عمران المغربي يقول : عرض على أبي العلاء التنوخي الكفيف كف من اللوبياء ، فأخذ منها واحدة ولمسها بيده ثم قال : ما أدري ما هي ، إلا أني أشبهها بالكلية ، فتعجبوا من فطنته وإصابة حدسه.
سمعت القاضي بهاء الدين أبا محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشاب الحلبي رحمهالله يقول : بلغني أن أبا العلاء بن سليمان قال لجماعة حضروا عنده : عدّوا علي الألوان ، فقالوا : أبيض وأخضر وأصفر وأسود وأحمر ، فقال : هو ملكها ، يعني الأحمر.
وسمعت والدي رحمهالله وغيره قال : بلغني أن أبا العلاء قال : أذكر من الألوان الحمرة وأعرفه ، وذلك أنني لما جدرت ألبست ثوبا أحمر ، فأنا أعرف لون الحمرة من ذلك الثوب ، وهذا من فرط ذكائه ، فإنه لما جدّر كان عمره أربع سنين وشهرا.
وحكي أن أبا محمد الخفاجي الحلبي لما دخل على أبي العلاء بن سليمان بالمعرة سلم عليه ولم يكن يعرفه أبو العلاء ، فرد عليهالسلام وقال : هذا رجل طوال ، ثم سأله عن صناعته فقال : أقرأ القرآن ، فقال : اقرأ علي شيئا منه ، فقرأ عليه عشرا ، فقال له : أنت