العلم باليمن وقع إليه كتاب في اللغة سقط أوله وأعجبه جمعه وترتيبه ، فاتفق أنه حج ، فحمله معه ، وكان إذا اجتمع بأديب أراه ذلك الكتاب وسأله عنه هل يعرفه أو يعرف مصنفه ، فلم يجد أحدا يخبره بذلك ، فأراه في بعض الأحيان لبعض الأدباء وكان ممن يعلم حال أبي العلاء بن سليمان وتبحره في العلم ، فدله عليه ، فخرج ذلك الرجل إلى الشام ووصل إلى معرة النعمان واجتمع بأبي العلاء بن سليمان وعرفه ما حمله على الرحلة إليه ، وأحضر إليه ذلك الكتاب وهو مقطوع الأول ، فقال له أبو العلاء : اقرأ منه شيئا ، فقرأه عليه ، فقال له أبو العلاء : هذا الكتاب اسمه كذا ومصنفه فلان بن فلان ، ثم ابتدأ أبو العلاء فقرأ له أول الكتاب إلى أن انتهى إلى ما هو عند ذلك الرجل ، فنقل ذلك الرجل ما نقص من الكتاب عن أبي العلاء وأكمل النسخة ، وانفصل إلى اليمن وأخبر أهل العلم بذلك. وقيل إن هذا الكتاب المذكور هو ديوان الأدب للفارابي والله أعلم.
وذكر القاضي الرشيد أبو الحسين أحمد بن علي بن إبراهيم ابن الزبير المصري في كتاب «جنان الجنان» قال : حدثني القاضي أبو عبد الله محمد بن سندي القنّسريّ بمصر قال : حدثني أبي قال : بتنا عند أبي العلاء المعري في الوقت الذي كان يملي فيه شعره المعروف بلزوم ما لا يلزم ، فأملى في ليلة واحدة ألفي بيت كان يسكت زمانا ثم يملي قريبا من خمسمائة بيت ، ثم يعود إلى الفكرة والعمل ، إلى أن أكملت العدة المذكورة.
أخبرني ناصر بن موفق بن فرج السّلمي المراكشي بالقاهرة ، وكان من أهل الأدب قال : نقلت من طرة على كتاب الأغاني للرقيق : قال محمد بن أبي بكر ويعرف بالحاتمي : ارتحلت أريد المعرة لألقى أبا العلاء بن سليمان ، فبينما أنا في بعض طريقي وإذا بشاب حسن الصورة وسيم الوجه وهو أعور وهو راكب على عير ومعه شخص وضيء الوجه حسن الصورة يعتبه عتابا لطيفا ، فلما انتهى إلى آخر عتابه قال له الشاب الأعور منشدا :
إن كنت خنتك في الهوى |
|
فحشرت أقبح من فضيحه |
قال الحاتمي : فرمت أن أزيد على هذا البيت شيئا فلم أستطع لكثرة طربي به ، إلى أن انتهيت إلى المعرة ودخلت على أبي العلاء بن سليمان ، وكان أول حديثي معه أن تذاكرنا في أبيات من الشعر ذكر منها بيت جهل قائله وهو :
إنما تسرح آساد الشرى |
|
حيث لا تنصب أشراك الحدق |