ثم ذكرت انتقال ذلك الكنز الثمين إلى الخزانة التيمورية في مصر. ثم وصفته وذكرت نماذج منه فقالت :
قطع وسط وخط جميل مقروء مضبوط بالحركات ضبطا تاما محكما ، وقد فقد من أوله ورقة أو اثنتان وكتب في آخره أنه القسم الأول من كتاب الفصول والغايات في تمجيد الله ، تأليف أبي العلاء أحمد بن عبد الله الخ. وهو مرتب على حروف الهجاء ، وكل فصوله تحتوي على غايات تنتهي بالحرف الذي سمي به ذلك الفصل. فيقول مثلا فصل (غاياته همزة) و (فصل غاياته الألف) و (فصل غاياته الباء) وهلم جرّا ، ويورد غايات كل فصل منتهية بالحرف الذي سمي به الفصل. وقد جرى على أن يذكر وراء كل فصل غاية تفسيرا لما فيها من الغريب. ولا يبعد أن يكون ذلك التفسير هو الشرح الذي ذكر المؤرخون أن المعري نفسه شرح به كتاب الفصول.
والكتاب غير مقصور على موضوع واحد ، بل هو بستان فيه من كل شجر أثر ومن كل فاكهة ثمر ، تعرض فيه مؤلفه لكثير من المسائل الاجتماعية والدينية ، سالكا في أسلوبه مسالكه المعروفة بين الجد والهزل ، مع الإغراب في بعض الأحايين والجنوح إلى استعمال الاصطلاحات العلمية لفنون اللغة والأدب التي كان المعري من أبرع العالمين بها.
نماذج من الكتاب (١)
(١) أحلف بسيف هبّار ، وفرس ضبّار ، (تقع يداه مجتمعتين إذا وثب) يدأب في طاعة الجبّار ، وبركة غيث المدرار ، تترك البسيطة حسنة الحبار (الهيئة) ، لقد خاب مضيع الليل والنهار ، في استماع القينة وشرب العقار. أصلح قلبك بالأذكار ، صلاح النخلة بالإبار. لو كشف ما تحت الأحجار ، فنظرت إلى الصديق المختار ، أكبرت ما نزل به كل الإكبار. نحن من الزمن في خبار (أرض يصعب السير فيها). كم في نفسك من اعتبار. ألا تسمع قديمة الأخبار ، أين ولد يعرب ونزار ، ما بقي لهم من إصار (وتد أو طنب) لا وخالق النار. ما يرد الموت بالآباء. غاية.
(٢) الجسد بعد فراق الروح كما قصّ من يدك ، وقصّر من فودك إذا ألقي فسيط (قلامة
__________________
(١) استعنت على تصحيح هذه النماذج بالطبعة المصرية للفصول والغايات التي نشرها محمود حسن زناتي سنة ١٩٣٨.