وجهل قدر العلماء ، وصار عطاء الأموال باعتبار الأحوال لا باختيار الأقوال ، وظهر عظيم الإجلال بالأسماء لا بالأفعال ، علمت أن الأقدار هي التي تعطي وتمنع وتخفض وترفع ، فأخملت عند ذلك من ذكري وقدري ، وأخفيت من نظمي ونثري ، ولأمر ما جدع قصير أنفه ، ومن شعر فقه :
ومالي إلى العلياء ذنب علمته |
|
ولا أنا عن كسب المحامد باعد |
وقلت اصبر على كيد الزمان وكده ، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده.
فلو لم يعل إلا ذو محل |
|
تعالى الجيش وانحط القتام |
إلى أن بلغني ممن يعول عليه ويرجع في القول إليه عن بعض شعراء هذا الزمان ممن يشار إليه بالبنان أنه أنشد عنده بيت الوليد يشهد له بالفصاحة والتجويد ، وهو قوله :
إذا محاسني اللائي أدلّ بها |
|
صارت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر |
فقال مقال المفتري : كم قد خرينا على البحتري ، فصبرت قلبي على أذاته ، وأغضيت جفني على قذاته ، حتى ابتدرني بالبادرة ، التي يقصر عنها لسان الحادرة ، فلو كان النابلسي كابن هاني الأندلسي لزلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها ، فيالله العجب ، متى أشرفت الظلمة على الضياء أو علت الأرض على السماء ، وأين السها من القمر ، وكيف يضاهى الغمر بالغمر ، فإنا لله وأفوض أمري إلى الله ، أفي كل سحابة أراع برعد ، وفي كل واد بنو سعد.
وإني شقيّ باللئام ولا ترى |
|
شقيّا بهم إلا كريم الشمائل |
لقد تحككت العقرب بالأفعى ، واستنّت الفصال حتى القرعى (١).
وطاولت الأرض السماء سفاهة |
|
وفاخرت الشهب الحصى والجنادل |
وما ذلك التيه والصلف ، والتجاوز للحد والسرف ، إلا لأنه كلما جر جريرا اعتقد أنه قد جر جريرا ، وكلما ركب الكميت ظن أنه قد ارتكب الكميت ، وكلما أعظم
__________________
(١) استنّت : أي سمنت ، وهو مثل يضرب لمن تعدى طوره وادعى ما ليس له. وقد جاء هذا السطر على شكل بيت شعري في الأصل. وهو خطأ.