من غير عظم ، وأكرم من غير كرم ، شمخ بأنفه وطال ، وتطاول إلى ما لن ينال ، وزعم أنه قد بلّد بليدا ، وعبّد عبيدا ، ولا والله ليس الأمر كما زعم ، ولا الشعر كما نظم ، ولكنها المكارم السلطانية ، الملكية الظاهرية ، التي نوهت بذكره فسترها ، ورفعت من قدره فكفرها ، بقول سأذكره إذا انتهيت إليه ، ولما طلب العبد كراعا ، فأعطي ذراعا ، خرج على من يعرفه ، وبهرج على من يكشفه ، فقلت لا مخبأ بعد بوس ، ولا عطر بعد عروس.
وما أنا بالغيران من دون جاره |
|
إذا أنا لم أصبح غيورا على العلم |
وقصدت قصيدا من شعره ، يزعم أنها من قلائد دره ، قد هذبها في مدة سنين ، ومدح فيها أمير المؤمنين ، وقال فيها : فانظر لنفسك أي در تنظم.
فكان لعمري ناظما غير أنه |
|
كحاطب ليل فاته منه طائل |
فواعجبا كم يدعي الفضل ناقص |
|
ووا أسفاكم يظهر النقص فاضل |
وتتبعت ما فيها من غلطاته ، وأظهرت ما خفي من سقطاته ، ولبست له جلد النمر ، واندفقت عليه كالسيل المنهمر ، بعد أن كتبها بخطه ، وزينها بإعرابه وضبطه.
وابن اللبون إذا ما لزّ في قرن |
|
لم يستطع صولة البزل القنا عيس |
فوجدته قد أخطأ منها في واحد وعشرين مكانا ، عدم فيها تمكنا من العلم وإمكانا ، فمنها ستة عشر موضعا توضحها الكتابة والنظر ، ومنها خمسة توضحها المجادلة والنظر ، فهذا من جيد مختاره ، وما يظهر على اختباره ، وإن وقع إليّ شيء من مزوّق شعره أو منوّق مستعاره ، لأعصبنّه فيه عصب السلمة ، ولأعذبنه تعذيب الظلمة.
فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن |
|
بدأنا ولكنا أسأنا التقاضيا |
ولو أنه اقتصر على قصوره ، وأنفق من ميسوره ، وستر عواره ، ولم يبد شواره ، لطويته على غرّه ، ولم أنبه على عاره وعرّه ، فإن من سلك الجدد أمن العثار ، وسلم من سالم النقع المثار. ولكن كان كالباحث عن حتفه بظلفه فلحق بالأخسرين أعمالا (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(١) وخطؤه في هذه القصيدة ينقسم قسمين : قسم فاته فيه أدب الدرس فيقسم أيضا قسمين : قسم لفظي وقسم
__________________
(١) الكهف : ١٠٤.