وذكر القاضي كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد المعروف بابن العديم في تاريخه الصغير الذي سماه «زبدة الحلب في تاريخ حلب» ما مثاله : وفي سنة إحدى وتسعين يعني وخمسمائة اتصل القاضي بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم بخدمة الملك الظاهر وقدم إليه إلى حلب وولاه قضاءها ووقوفها ، وعزل عن وقوفها زين الدين أبا البيان نبأ ابن البانياسي نائب محيي الدين بن الزكي ، وحل عنده بهاء الدين في رتبة الوزارة والمشاورة. انتهى كلامه.
ثم قال ابن خلكان : وكانت حلب في ذلك الزمان قليلة المدارس وليس بها من العلماء إلا نفر يسير ، فاعتنى أبو المحاسن المذكور بترتيب أمورها وجمع الفقهاء بها وعمرت في أيامه المدارس الكثيرة. وكان الملك الظاهر قد قرر له إقطاعا جيدا يحصل جملة مستكثرة ، ولم يكن له خرج كثير ، فإنه لم يولد له ولا كان له أقارب ، فتوفر له شيء كثير ، فعمر مدرسة للشافعية بالقرب من باب العراق قبالة مدرسة نور الدين محمود بن زنكي رحمهالله تعالى (هي المدرسة النفرية) ورأيت تاريخ عمارتها مكتوبا على سقف مسجدها وهو الموضع المعد لإلقاء الدروس وذلك في سنة إحدى وستمائة ، ثم عمر في جوارها دارا للحديث النبوي وجعل بين المكانين تربة برسم دفنه فيها ، ولها بابان باب إلى المدرسة وباب إلى دار الحديث وشباكان إلى الجهتين وهما متقابلان بحيث إن الذي يقف في أحد المكانين يرى من يكون في المكان الآخر. ولما صارت حلب على هذه الصورة قصدها الفقهاء من البلاد وحصل بها الاشتغال والاستفادة وكثر الجمع بها.
ثم ذكر ابن خلكان هنا مجيئه مع أخيه إلى حلب ونزوله في هذه المدرسة واشتغاله بالعلم إلى أن قال : ولم نزل عنده إلى أن توفي في التاريخ الآتي ذكره ، ولم يكن في مدرسته في ذلك الزمان درس عام لأنه كان المدرس بنفسه ، وكان قد طعن في السن وضعف عن الحركة وحفظ الدروس وإلقائها ، فرتب أربعة من الفقهاء الفضلاء برسم الإعادة والجماعة يشتغلون عليها. ثم قال :
وكان القاضي أبو المحاسن المذكور بيده حل الأمور وعقدها ، ولم يكن لأحد معه في الدولة كلام ، وكان سلطانها الملك العزيز أبو المظفر محمد بن الملك الظاهر بن السلطان صلاح الدين وهو صغير السن تحت حجر الطواشي شهاب الدين أبي سعيد طغرل وهو أتابكه ومتولي أمور الدولة بإشارة القاضي أبي المحاسن لا يخرج عنهما شيء من الأمور.