وثلاثين وستماية رحمهالله تعالى بحلب ودفن في التربة المقدم ذكرها ، وحضرت الصلاة عليه ودفنه وما جرى بعد ذلك.
وصنف كتاب «ملجأ الحكام عند التباس الأحكام» يتعلق بالأقضية في مجلدين (موجود في المكتبة السلطانية). وكتاب «دلائل الأحكام» (موجود في مكتبة باريس وفي الأحمدية بحلب) تكلم فيه على الأحاديث المستنبط منها الأحكام في مجلدين ، وكتاب «الموجز الباهر» في الفقه وغير ذلك ، وكتاب «سيرة صلاح الدين بن أيوب» رحمهالله (هذه مطبوعة وقد تكلمت عليها في المقدمة).
وجعل داره خانقاه للصوفية لأنه لم يكن له وارث. ولازم الفقهاء والقراء تربته مدة طويلة يقرؤون عند قبره ، وكان قد قرر قدام كل واحد من الشباكين المذكورين اللذين للتربة سبعة قراء ، وكان غرضه أن يقرأ عنده كل ليلة ختمة كاملة ، فكان كل واحد من القراء الأربعة عشر يقرأ نصف سبع بعد صلاة العشاء الآخرة.
وفارقت حلب متوجها إلى الديار المصرية في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وستماية والأمور جارية على هذه الأوضاع. ثم بعد ذلك تغيرت تلك الأمور وانتقضت قواعدها وزال جميع ذلك على ما بلغني ا ه (ابن خلكان).
قال أبو الحسن علي بن هذيل في كتابه «عين الأدب والسياسة» : قال ابن سعيد : حكى لي الصاحب كمال الدين بن العديم أن القاضي بهاء الدين بن شداد قاضي حلب الذي بلغ عند صلاح الدين وابنه الظاهر ما لم يبلغه أحد من نظرائه مرض بحلب ، قال : فمشيت في جماعة من الشبان المبتدئين في القراءة والظهور إلى عيادته ، فعند ما دخلنا عليه قام لنا فجعلنا نحلف أن لا يفعل ، فقال : يا سبحان الله ، تتفكرون في مرضي وتتعنون من أماكنكم إلى منزلي ، ثم أبخل عليكم بقومة ، هذا والله غير طريق المروءة. ثم قال : يا أولادي ، لقد دخلت على كبير وأنا في سنكم فلم يحتفل بي ، فإلى الآن ما أذكر ذلكم إلا أسأت ذكره وندمت على وصولي إليه ، ولا يتجنب المعائب إلا أهل التجارب. قال : وكنت أتردد إلى مجلس كمال الدين بن يغمور وهو نائب السلطنة بالشام وكان يقوم لي كلما دخلت عليه ، فدخلت يوما فإذا به مضطجع فلم يقم ، وأخذ فيما كان يأخذ فيه ، فلما دخلت في اليوم الثاني قام ثم جلس ، ثم قام ثم جلس ، وقال : هذه الأخيرة عن قومة أمس ، كانت