ونزلت وفي قلبي ما فيه لكوني كنت أول بلوغي ، والوالدة جالسة في الدار لمرض كان بها فقالت لي : ما أراك قتلته كما كان عزمك ، فقلت لها : ليس هو المطلوب إنما هو سنّور غيره ، فقالت : ما أظن الأمر على ذلك ، ولكن هل أومىء إليك بالأصابع حتى تركته؟ فقلت : من يومئ إليّ؟ ولا أعرف معنى كلامك ، فقالت على ذلك : يا بنيّ اسمع مني ما أقول لك :
ثنتان لا أرضى انتهاكهما |
|
عرس الخليل وجارة الجنب |
وكان مع هذا البيت بيت آخر أنسيته ، قال : فو الله لكأن ماء وقع على نار فأطفأها ، فما صعدت بعد ذلك إلى سطح ولا غرفة إلى أن فارقت البلاد ، ولقد جاء الصيف فاحتملت حره ولم أصعد إلى سطح تلك الصيفية. ثم وجدت هذا البيت في أبيات الأحوص بن محمد ، منها :
قالت وقلت تخرّجي وصلي |
|
حبل امرىء كلف بكم صبّ |
صاحب إذا بعلي فقلت لها |
|
الغدر أمر ليس من شعبي |
ثنتان لا أصبو لوصلهما |
|
عرس الخليل وجارة الجنب |
الشوق أقتله برؤيتكم |
|
قتل الظما بالبارد العذب |
قال لي : ولدت في أحد ربيعي سنة ٥٦٨ بمدينة قفط من الصعيد الأعلى إحدى الجزائر الخالدات حيث الأرض الأربعة وعشرون في أول الإقليم الثاني ، وبها قبر قبط بن مصر ابن سام بن نوح.
ونشأ بالقاهرة. اجتمعت بخدمته في حلب فوجدته جم الفضل كثير النبل عظيم القدر سمح الكف طلق الوجه حلو البشاشة ، وكنت ألازم منزله ويحضر أهل الفضل وأرباب العلم ، فما رأيت أحدا فاتحه في فن من فنون العلم كالنحو واللغة والفقه والحديث وعلم القرآن والأصول والمنطق والرياضة والنجوم والهندسة والتاريخ والجرح والتعديل وجميع فنون العلم على الإطلاق إلا وقام به أحسن قيام ، وانتظم في وسط عقدهم أحسن انتظام. وله تصانيف أذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
أنشدني لنفسه بحلب في جمادى الآخرة سنة ٦١٣ :
ضدان عندي قصّرا همّتي |
|
وجه حييّ ولسان وقاح |