وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ويميزه بالإكرام على سائر قومه ويستصحبه في غزواته ويستخلفه في أعماله ، وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه ونقلته إلى خرشنة ثم منها إلى قسطنطينية وذلك في سنة ثمان وأربعين وثلثمائة ، وفداه سيف الدولة في سنة خمس وخمسين. وقيل أسر مرتين المرة الأولى بمغارة الكحل في السنة المذكورة وما تعدوا به خرشنة وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري تحتها ، وفيها يقال : إنه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات والله أعلم. والمرة الثانية أسره الروم على منبج في شوال سنة إحدى وخمسين وحملوه إلى قسطنطينية ، وأقام في الأسر أربع سنين ، وله في الأسر أشعار كثيرة مثبتة في ديوانه ، وكانت مدينة منبج إقطاعا له ، ومن شعره :
قد كنت عدتي التي أسطو بها |
|
ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي |
فرميت منك بضد ما أمّلته |
|
والمرء يشرق بالزلال البارد |
فصبرت كالولد التقيّ لبره |
|
أغضى على ألم لضرب الوالد |
وله أيضا :
أساء فزادته الإساءة حظوة |
|
حبيب على ما كان منه حبيب |
يعدّ عليّ الواشيان ذنوبه |
|
ومن أين للوجه الجميل ذنوب |
وله أيضا :
سكرت من لحظه لا من مدامته |
|
ومال بالنوم عن عيني تمايله |
فما السلاف دهتني بل سوالفه |
|
ولا الشمول ازدهتني بل شمائله |
ألوى بعزمي أصداغ لوين له |
|
وغال قلبي بما تحوي غلائله |
قال الثعالبي في يتيمة الدهر : لما غزا سيف الدولة قسطنطين بن فردس الدمستق وأسره وأصابت الدمستق ضربة في وجهه أكثر الشعراء في هذه الوقعة فقال أبو الطيب قصيدته التي مطلعها :
لكل امرىء من دهره ما تعوّدا |
|
وعادات سيف الدولة الطعن في العدا |
وقال أبو فراس :