فصعد المنبر ، فحمد الله وأثني عليه ، ثم قال : ما بال أقوام يحرمون علي أنفسهم الطيبات ألا إني أنام بالليل وأنكح وأفطر بالنهار ، فمن رغب عن سنتي فليس منى فقام هؤلاء فقالوا : يا رسول الله لقد حلفنا على ذلك فأنزل الله (١) (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ). إلى آخر الآية».
فانظر إلى هذه الأخبار وصراحتها في دفع ما توهمه ذلك القائل من الاستدلال بالآية المذكورة وضعف ما رد به الجواب المتقدم (٢) ، فإنه لو كان ما ذكره (رحمهالله) حقا من استحباب ذلك في شرعنا كما كان في تلك الشريعة السابقة لما صدر عنه صلىاللهعليهوآله هذه الإنكارات العديدة في هذه الأخبار ، والنسبة إلى مخالفة سنته ، وإن ذلك من الرجال والنساء ، إنما هو من الرهبانية التي كانت سنة في الأمم السابقة ونسخت بسنته.
وأما باقي تعليلاته العليلة فهي في مقابلة ما ذكرنا من الأخبار أظهر في الضعف من أن يقابل بالإنكار.
ونزيده إيضاحا ، فنقول : إنه إذا ثبت من الشارع الحث على هذا الفعل والترغيب فيه ، وبيان ما فيه من الأجر والثواب والمنافع الدينية والدنيوية ، فهو من جملة المطالب الدينية المأمور بها ، بل هو من أفضلها وأشرفها لما عرفت من زجره
__________________
(١) سورة البقرة ـ آية ٢٢٥.
(٢) أقول : ومن ذلك ما رواه في كتاب مكارم الأخلاق ، عن الصادق عليهالسلام قال : قيل لعيسى بن مريم : ما لك أن تتزوج؟ قال : ما أصنع بالتزويج؟ قالوا : يولد لك ، قال : وما أصنع بالأولاد ، ان عاشوا فتنوا ، وان ماتوا حزنوا. أقول : ومقتضى ما ذكره القائل المذكور ، ان ما روى في شرعنا يلزم أن يكون الحكم فيه كذلك عندنا ، فيلزم بمقتضى هذا الخبر مرجوحية التزويج في شرعنا والاخبار المستفيضة كما عرفت بخلافه ، وبالجملة فرواية ذلك أو ذكره في القرآن أعم من ذلك ، والعام لا دلالة فيه على الخاص ، والمرجع في تعيين الأمرين منه الى السنة والاخبار ، ففي مثل هذا الموضع يحمل كلامهم عليهمالسلام على مجرد الحكاية وفي بعض المواضع يحمل على العمل بذلك في شرعنا ، كما أوضحنا ذلك في المباحث المتقدمة (منه ـ رحمهالله ـ).