ثم إنهم قد اختلفوا أيضا في أنه على القول بأفضلية النكاح لمن تتق نفسه إليه هل هو أفضل من التخلي للعبادة ، أم التخلي للعبادة أفضل؟ قولان : والمفهوم من الأخبار المتقدمة هو الأول ، سيما الأخبار الأخيرة الواردة في ترهب عثمان ابن مظعون واختياره الصلاة على النكاح.
والأخبار الدالة على ذم العزاب ، والأخبار الدالة على أن ركعتين يصليهما متزوج خير من عزب يقوم ليله ويصوم نهاره ، فإنها دالة بعمومها أو إطلاقها على أفضلية النكاح ، تاقت نفسه أم لم تتق ، إذ لا تفصيل فيها.
احتج من قال بالقول الثاني بما يتضمن التزويج من القواطع والشواغل وتحمل الحقوق.
أقول : لا ريب أن هذا القول إنما يتجه على قواعد الصوفية ، المعرضين عن العمل بالأخبار المعصومية ، المبنية قواعد مذهبهم على مجرد الاختراعات الوهمية ، والخيالات الفكرية ، وإلا فلا يخفى أن القول بهذا القول موجب لرد تلك الأخبار المتكاثرة بمجرد هذه الخيالات الفاسدة.
والآمر بذلك عالم بما يترتب عليه من هذه الأمور المذكورة ، ومع ذلك حث وأكد عليه أتم الحث والتأكيد ، وليس إلا من حيث رجحانه وأفضليته ، وأن هذه الأشياء موجبة لزيادة الأجر فيه.
وفي بعض الأخبار (١) أن أصحاب عيسى على نبينا وآله وعليهالسلام كانوا يمشون على الماء ، وأصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لم يكونوا كذلك ، فقال عليهالسلام ، «إن هؤلاء ابتلوا بالمعاش» ، وحاصله أن هؤلاء كلفوا بتكاليف شاغلة لهم عن نيل تلك المرتبة ، ومن الظاهر ثبوت الأمر على هذه التكاليف ، وأن مرتبتهم في الفضل لا ينقص عن أولئك ، فأولئك لتجرد نفوسهم بالرهبانية التي كانوا عليها ، والسياحة والتخلي عن الدنيا بكليتها نالوا تلك المرتبة.
__________________
(١) الكافي ج ٥ ص ٧١ ح ٣ ، الوسائل ج ١٢ ص ١٢ ح ١٠.