أقول : لم أقف لهم في هذا المقام علي دليل شاف يدل على البطلان كما ذكروه.
وما ادعوه من حمله على العقد الجائز وأن العقد الجائز كالوكالة ونحوها تبطل بالجنون والإغماء محل منع ، فإنا لم نقف لهم فيه أيضا على دليل إلا ما يظهر من دعوى بعضهم الإجماع على ذلك ، وقد عرفت ما في هذه الإجماعات وإلى ذلك أشرنا في كتاب الوكالة أيضا.
وبالجملة فإني لا أعرف هنا مانعا من صحة العقد لو عرض الجنون أو الإغماء بعد الإيجاب ، ثم حصل القبول بعد زوالهما من غير حاجة إلى تجديد إيجاب آخر ، لصدق حصول العقد الشرعي المشتمل على الإيجاب والقبول.
وما ربما يتخيل من الفصل بين الإيجاب والقبول وعدم الفورية في القبول فقد تقدم الكلام فيه ، وأنه لا دليل عليه ، بل الظاهر من الدليل خلافه كما تقدمت الإشارة إليه في المسألة الاولى في الكلام على حديث الساعدي.
ومما يعضد ما ذكرناه وجود النظير لذلك في مواضع من الأحكام.
منها ما صرحوا به من دخول الصيد الغائب في ملك المحرم بعد زوال الإحرام ، وأن من وكل محرما ثم صار محلا لم يحتج إلى تجديد الوكالة بعد تحلله من الإحرام ، والظاهر من ذلك أن ما وقع من العقد باق على الصحة ، وإن تخلف أثره لمانع ، وظاهرهم أن النوم هنا لا يقدح في الصحة ، كما لا يقدح في الوكالة ونحوها من العقود الجائزة ، لكن هل يصح الإتيان هنا بالقبول للآخر حالته؟ قيل : لا ، وبه قطع في التذكرة على ما نقله عنه في المسالك ، قال : لأن التخاطب بين المتعاقدين معتبرة ، وهو منتف مع نوم صاحبه ، ومن ثم لو خاطب شخصا بالعقد فقبل الآخر لم يصح به.
قال : ويحتمل الصحة هنا ، لأن الإيجاب توجه إلى هذا القابل قبل النوم ، والأصل الصحة ، مع أنه في التذكرة أيضا قال في موضع آخر على ما نقله الناقل