وحينئذ فهذه الروايات لا يمكن حملها على مذهب القائل منهم بالاستقلال مطلقا ولا الاستمرار مطلقا.
وأما احتمال التقية باعتبار أنه مذهب المالك ، وإن احتمل إلا أن العمل بما خالف الثلاثة وإن وافق واحدا منهم أقرب إلى جادة الرشاد وأدخل في قالب السداد ، كما دلت عليه مقبولة عمر بن حنظلة من قوله «ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر».
وثانيا : أنه من القواعد المقررة عندهم أنه إنما يصار إلى الترجيح عند حصول المعارضة على وجه لا يمكن تطبيق الأخبار بعضها على بعض بوجه من الوجوه.
وأنت قد عرفت ـ بما ذيلنا به أكثر أخبار القول الثاني ـ أنه لا منافاة بينها وبين أخبار القول الأول وأنه لا صراحة بل ولا ظاهرية في شيء منها في المعارضة سوى رواية سعدان التي قد عرفت القول فيها ، وأنها لا تبلغ قوة ولا تنهض حجة بمعارضة تلك الأخبار وحملها على التقية كما ذكره الشيخ أقرب فإن أبا حنيفة قائل بارتفاع الولاية بالبلوغ في جميع التصرفات حتى النكاح.
ولا يخفى على المتتبع للسير أن مذهب أبي حنيفة في وقته كان في غاية القوة بخلاف باقي المذاهب الأربعة ، وهو جار في كل ما أوهم استقلال البكر أو توقف التزويج على رضاها.
وثالثا : أن الترجيح بالتقية وإن ورد في الأخبار ، إلا أنه بهذا المعنى (١) المشهور بين أصحابنا في مثل هذه الأعصار لا يخلو من الاشكال ، وذلك فإن مذهب العامة في الصدر الأول كانت على وجه يعسر ضبطها وتتعذر الإحاطة بها لما ذكره علماء الفريقين من أن مدار مذاهبهم في الأعصار السابقة على من نصبه خلفاء الجور
__________________
(١) إشارة إلى أنه بالمعنى الأخر الذي قدمنا ذكره في مقدمات الكتاب في صدر جلد كتاب الطهارة ، وهو أنهم (عليهمالسلام) يوقعون المخالفة بين الشيعة تقية وان لم يكن ذلك مذهب أحد من العامة لا اشكال فيه (منه ـ رحمهالله ـ).