فاتل هذه الآية وتأمّل فيما أوصاه الله سبحانه من البرّ بوالدته ، ثم قارن ذلك بما ينقله عنه الإنجيل من ترك إكرامه لوالدته ، يقول الإنجيل :
« فَجاءت حينئذٍ إخوته وأُمُّه وَوَقفوا خارجاً وأرسلوا إليه يدعونه * وكان الجَمْع جالساً حوله فقالوا له هوذا أُمَّكَ وإِخْوَتُك خارجاً يطلبونك * فأجابهم قائلاً : مَنْ أُمِّي وإِخوتي ؟ * ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال : ها أُمي وإِخْوتي ، لأَنَّ من يَصْنَعْ مشيئة الله هو أَخي وأُختي وأُمّي » (١) .
فأين المسيح الذي ينكر أُمَّه القديسة البارّة ، ويحرمها رؤيته ، ويُعَرِّضُ بِقَداسَتِها ، ويُفَضِّل تلاميذه عليها ، مِنَ المسيح الذي عرّفه القرآن بقوله : ( وبَرًّا بِوالِدَتِي ) ، مع أنّ هؤلاء التلاميذ هم الذين تركوه ، ووصفهم المسيح بقوله : « ما بالكم خائفين هكذا ، كيف إيمان لكم » (٢) .
إنّ الخمر إحدى الخبائث التي حرّمها الله سبحانه في الشرائع السماوية ، من غير فرق بين شريعة وأُخرى ، وها هو سِفْر اللاويين ، من العهد القديم يقول :
« وَكَلّم الله هارون قائلاً ، خمراً ومسكراً لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الإجتماع ، لكيلا تموتوا ، فرضاً دهرياً في أَجيالكم ، وللتمييز بين المقدَّس والمحلِّل ، وبين النجس والطاهر » (٣) .
ومع ذلك فالمسيح يصنع للمحتفلين بالعُرس خمراً ليشربوا كما يقول الإنجيل :
« وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل وكانت أمّ يسوع هناك * ودعي أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العرس . ولما فرغت الخمر قالت أمُّ يسوع له ليس لهم
__________________
(١) إنجيل مُرقس ، الأصحاح الثالث ، الجملات ٣١ ـ ٣٥ ، ط دار الكتاب المقدس .
(٢) إنجيل مرقس ، الأصحاح الرابع ، الجملة ٤٠ ، ط دار الكتاب المقدس .
(٣) سِفْر اللاويين ، الأصحاح العاشر ، الجملات ٨ ـ ١١ ، ص ١٧١ ، ط دار الكتاب المقدس .