وتتضح دلالة الآية بنقل سبب نزولها :
تبنّى رسول الله صلى الله عليه وآله ، زيداً ، قبل بعثته . وكان العرب يُنَزِّلونَ الأدعياء منزلةَ الأبناء في أحكام الزواج والميراث ، فأراد سبحانه أن ينسخ تلك السنة الجاهلية ، فأمر رسوله بتزوّج زينب ، زوجة زيد ، بعد مفارقته لها . فأوجد ذلك الزواج ضجة بين المنافقين ، والمتوغلين في النزعات الجاهلية ، فأخمد الله تعالى أصواتهم بقوله : ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ) ، أي من الذين لم يلدهم ، ومنهم زيد ، ( وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ ) وهو لا يترك ما أَمره الله به ، ( وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) أي آخرهم ، ختمت به النبوة ، فلا نبي بعده ، ولا شريعة سوى شريعته ، فنبوته أبدية ، وشريعته باقية إلى يوم القيامة .
الخاتم ، بفتح التاء ، كما عليه قراءة عاصم ، أو بكسرها كما عليه الباقون ، يدلّ على أنّ باب النبوة ختمت به . وذلك لأنّه على الكسر ، إسم فاعل من ختم يختم ، فهو خاتِم ، وعلى الفتح ، يحتمل وجوهاً ثلاثة :
أ ـ إنّه اسم بمعنى ما يختم به ، أي المختوم به باب النبوة ، فوجوده صلى الله عليه وآله في سلسلة الأنبياء ، كالختم والإمضاء في الرسائل . فكما أنّ الرسائل تختم في نهايتها ، بالخَتْم والإمضاء ، فكذا سلسلة الأنبياء ختمت بوجوده ، فهو خاتم الأنبياء .
ب ـ إنّه فعل ، « خَاتَمَ » كـ « ضارَبَ » ، فهو صلى الله عليه وآله خَتَم بابَ النبوة .
ج ـ إنّه اسم بمعنى « آخر » ، أي آخر النبيين ونهايتهم .
قال أبو محمد الدميري في منظومته :
والخاتِم الفاعِل قُل بالكسرِ |
وما به يُختَمُ فتحاً يجري (١) |
__________________
(١) التيسير في علوم التفسير ، ص ٩٠ .