فلو كانت الطائفتان صادرتين عن أصل واحد ، وتستقيان من عين واحدة ، فلماذا لم تَدّع ثانيتهما ما ادعته الأولى ؟ .
ثم إنّ علماء النفس الذين بحثوا عن النبوغ ، ذكروا لبُروزه وتفجّره في الإنسان عواملَ ، هي :
١ ـ العشق .
٢ ـ انهضام الحُقوق .
٣ ـ العزلة .
٤ ـ كثرة السكوت .
٥ ـ التربية والتوجيه الأوّلي الذي يتلقّاه الإنسان في صغره .
فإنّ هذه العوامل توجد في الإنسان استغراقاً في نفسه ، وتوقّداً في أفكاره ، وتَمَيُّزاً في فطنته وذكائه . ولكن تفسير النبوات والرسالات ، والقوانين والشرائع التي جاء بها الأنبياء بهذا الطريق ، أشبه بتفسير علّة تفجر البركان وثورانه ، بسقوط طائر على فوهته .
هذا ، ولو كانت شريعة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله ، والكتاب المجيد الذي جاء به ، وليديْ النبوغ والعبقرية ، فلماذا عجز عن مقابلته ومقارعته ، النوابغ والعباقرة طرّاً في جميع القرون إلى عصرنا هذا ، كما سيوافيك تفصيله في النبوة الخاصة ؟ .
* * *
إنّ تفسير الوحي بصورة الوحي النفسي ، منشؤه قساوسة المسيحيين الذين لا هدف لهم إلّا تفنيد رسالة النبي الخاتم ، وتخطئتها ، فتشبث هؤلاء بكل وجه خادع ، يوهم في ظاهره الملائمة لروح العصر وآخرِ ما توصلت إليه الحضارة من النظريات الفكرية ، والإبداعات العلمية ، ثم طبقوه بعبارات وقوالب متجددة على حياة النبي الأكرم ، والوحي المنزل عليه .