من الأسباب الموجبة لمرونة هذا الدين وصلاحيته للبقاء ، وجود قوانين حاكمة على القوانين العامة ، مثل قاعدة ، « لا حرج » ، و « لا ضَرَرَ » ، وغير ذلك مما أوضحنا حاله عند البحث عن إتقان التشريع والتقنين الإسلامي .
من الأسباب الدافعة إلى صلوح الإسلام للبقاء والخلود ، كونه ديناً جامعاً بين الدعوة إلى المادة ، والدعوة إلى الروح ، وديناً وسطاً بين المادية البحتة ، والروحيّة المحضة ، وبذلك جاء شريعة تامّة لم تعطّل الفطرة في تشريعاتها ، ولم تلقي حبلها على عاتقها لتخرج عن حدودها ، فأخذت من الدنيا ما هو لصالح العباد ، ومن الآخرة مثله .
فكما أنّ الإسلام ندب إلى العبادة ، ندب إلى طلب الرزق أيضاً ، بل ندب إلى ترويح النفس ، والتخلية بينها وبين لذاتها .
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « للمؤمن ثلاثُ ساعات ، ساعةٌ يُناجي فيها ربَّه ، وساعة يَرُمّ فيها معاشه ، وساعةٌ يُخلّي بين نفسه ولذّاتها » (١) .
فقد قرن بين عبادة الله ، وطلب الرزق ، وترفيه النفس ، بحيث جعل الجميع في مستوى واحد .
فكما أنّ أداء الصلاة والصوم ، والحج ، وظائف دينية ، فكذلك إنّ شقَّ الطريق لطلب الرزق والمعاش ، والقيام بنزهة بين الرياض ، أو سباحة في الأحواض ، والأعمال الرياضية البدنية ، وظيفة دينية للمؤمن ، ولأجل هذا ينسجم الإسلام مع الحضارات المتواصلة .
* * *
__________________
(١) نهج البلاغة ، باب الحِكم ، رقم ٣٩٠ .