البيضاء ، وآلة السحر ؟ وبعث عيسى بآلة الطب ؟ وبعث محمداً ( صلى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء ) بالكلام والخطب ؟ » .
فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : « إنّ الله لما بعث موسى ( عليه السلام ) كان الغالب على أهل عصره السحر ، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله ، وما أبطل به سحرهم ، وأثبت به الحجة عليهم .
وإنّ الله بعث عيسى ( عليه السلام ) في وقت قد ظهرت فيه الزِّمانات (١) ، واحتاج الناس إلى الطب ، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله ، وبما أحيى لهم الموتى ، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله وأثبت به الحجة عليهم .
وإنّ الله بعث محمداً ( صلى الله عليه وآله ) في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام ـ وأظنه قال : الشعر ـ فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم ، وأثبت به الحجة عليهم .
قال : فقال إبن السكِّيت : « تالله ما رأيْتُ مثلك قَطّ » (٢) .
وهناك وجه ثان لاختصاص النبي بهذه المعجزة وهو الفرق الواضح بين دعوته ، ودعوة سائر الأنبياء ، فإنّ دعوتهم وشريعتهم كانت محدودة زماناً ومكاناً ، أو من حيث الزمان فقط . ولأجل ذلك كانوا يبشرون بمجيء نبي آخر ينسخ بشريعته شرائع مَنْ قَبْلَه . ومِثْل تلك الدَّعَوات يكفي في إثباتها وجود معاجز تنقلها الأجيال المعاصرة للأنبياء إلى الأجيال التالية لهم بصورة الأمر المتواتر ، ومثل هذه المعاجز لا تكفي للدعوة الخالدة ، لأنّ الإيمان بالمعاجز والإذعان بصحتها من خلال نقلها بالتواتر يزول بمضي الزمان ، إلى حدّ تصبح معه أموراً ظنية ، غير قابلة لاتمام الحجّة ، للأجيال المتلاحقة .
__________________
(١) الزِّمانات : الآفات الواردة على بعض الأعضاء فتمنعها من الحركة كالفالج واللَّقوة .
(٢) الكافي ، ج ١ ، كتاب العقل والجهل ، الحديث ٢٠ ، ص ٢٤ ـ ٢٥ .