التعريف الصحيح للبلاغة هو عبارة عن تأدية المعنى الجليل بعبارة صحيحة فصيحة ، مع ملائمة كل كلام للموطن الذي يقال فيه .
وعلى ضوء ذلك ، فالكلام الساقط عن الإعتبار من حيث المضمون ، لا يتّصف بالبلاغة ، مثل ما حكي عن مسيلمة الكذّاب حيث أقسم بالطاحنات ، وقال « والطاحنات طحناً ، والعاجنات عجناً ، والخابزات خبزاً » . فأين هذه المفاهيم الساقطة السوقية الركيكة الفاقدة لأيّةِ قيمة ، من المعاني العالية السامية الواردة في قوله سبحانه : ( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ) (١) .
فاللازم في البحث عن فصاحة القرآن ، التركيز على أمرين :
١ ـ مطابقة الكلام لمقتضى الحال .
٢ ـ سمو المعاني وعلو المضامين .
* * *
إنّ استقصاء جميع الأحوال التي يقع الكلام مطابقاً لها ، راجع إلى علم المعاني ، من علمي الفصاحة والبلاغة فذكروا مقتضيات الأحوال في أبواب الإسناد الخبري ، والمسند إليه ، والمسند ، ومتعلقات الفعل ، والإنشاء ، والفصل والوصل ، والإيجاز ، والإطناب والمساواة ، فذكروا الأحوال الطارئة على الكلام ومقتضياتها ، من ذكر المسند إليه وحذفه ، وتنكيره ، وتقديمه وتأخيره ، وتوصيفه وتأكيده ، إلى غير ذلك من الأحوال الطارئة على المسند إليه ، وبشكلٍ على المسند ، ولكل مقام . كما أنّ لكل من الإيجاز والإطناب والمساواة مقام .
ثم إنّ دراسة القرآن من حيث كونه مطابقاً للأحوال المقتضية ، يحتاج إلى
__________________
(١) سورة العاديات : الآيات ١ ـ ٣ .