فظهر ممّا قدمنا أنّ الخاتم بمعنى ما يختم به ، وله مصاديق ، فتارة يختم بحلية الإصبع ، وأُخرى بشيء مثل الشمع ، وثالثة بمثل الطين ، وأشياء أُخرى درجت حديثاً .
وأضعف من ذلك إحتمال أن يكون المراد من قوله تعالى : ( وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) ، أنّه مصدِّقٌ للنبيين ، فاستعارة الخاتم له ، لأجل أنّه صلى الله عليه وآله مُصَدِّقُهم كالخاتم المصدِّق لمضامين الكتب .
ويَرُدُّهُ ، أولاً : لو كان المراد هو تصديق النبيين ، فلم عدل عن التعبير الصريح ، إلى هذا التعبير المعقد ، مع أنّه استعمل لفظ مصدّق دون الخاتم عندما أراد بيان تصديق نبيٍّ لنبيٍّ آخر ؛ فقال : ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ) (١) .
وكذلك عندما أراد بيان تصديق كتاب لكتاب ؛ فقال : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ، مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) (٢) .
وثانياً ـ ليس الخاتم نفسه مصدِّقاً ، وإنّما هو آلة التصديق ، وما يُصَدَّق به ، وإنّما المصدِّق من يستعمل الختم ، وهذا بخلاف النبي فإنّه بنفسه مصدق .
وَلَعَمْري ، لولا شيوع التشكيك بين البسطاء من غير العرب ، لكان الأولى ترك التعرض له .
نعم ، هنا تشكيك آخر قابل للطرح والذكر ، وإليك بيانه .
إنّ المختوم في الآية المباركة هو منصب النبوة لا الرسالة ، حيث قال : ( خَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) . وخَتْم باب النبوة ، لا يلازم ختم باب الرسالة ، فهو مفتوح على مصراعيه في وجه الأُمة ، ولم يوصد .
__________________
(١) سورة الصف : الآية ٦ .
(٢) سورة المائدة : الآية ٤٨ .