الدعوى ، ويتساءل ـ هو ـ عن برهانها ، ثم يثبتها بنفسه ، ويتحدّى الناس على الإتيان بمثله ، ويعجزهم ويدينهم . وهذه خصيصة لهذه المعجزة لا توجد في سائر المعاجز .
قد تعرفت في مباحث الإعجاز ـ من النبوة العامة ـ على الفروق الواضحة بين المعجزة وغيرها ، وقلنا إنّه ربما يصل العلم والصنعة إلى الغاية التي وصلت إليها معاجز الأنبياء ، ومع ذلك كلّه لا تتجاوز الصنعة عن كونها صنعة بشرية ولا تدخل في إطار الإعجاز .
مثلاً : إنّ سليمان بن داود ، أول من فتح أبواب الفضاء على عُيون المجتمع الإنساني ، فهو كان رائد الفضاء الأول بفضل الريح المسخرة له ، يقول سبحانه : ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ﴾ (١) .
ولم تتوفق الحضارة البشرية إلى إرسال الإنسان إلى الفضاء إلّا بعد آلاف السنين ، حتى تمكنت أخيراً من إنزاله على سطح القمر ، والركب بعد مستمر ، ومع ذلك كلّه فما أنجزته هذه الحضارة لا يخرج عن إطار الصنعة ، لوجود الميز الجوهري بين العَمَلين ، وإن اتحدا في النتيجة . وذلك أنّ سليمان بَدَأَ عمله بأبسط الأشياء ، وأكثرها شياعاً ، وهو الجلوس على بساط ، يحركه الريح ، تجري بأمره حيث شاء ، كما قال تعالى : ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ﴾ (٢) .
وأمّا ما قامت به الحضارة الصناعية من إرسال الرّواد إلى الفضاء ، فهو صنعة بحتة ، لأنّها قامت بهذا الفعل بأعقد الصناعات وأخفاها . فالسفينة الفضائية الحاملة لعدّة من الرواد ، والتي هبطت على سطح القمر ، اشترك في
__________________
(١) سورة ص : الآية ٣٦ .
(٢) سورة سبأ : الآية ١٢ .