على ما يتلقاه أحدنا عن أساتذة التعليم . ثمّ تصدر عن ذلك العلم إلى تعليم ما علمت ، ودعوة الناس إلى ما حُملت على إبلاغه إليهم ، وأن يكون ذلك سنّة الله في كلّ أُمّة وفي كل زمان حسب الحاجة ، يظهر برحمته من يختصه بعنايته ، ليفي للإجتماع بما يضطرّ إليه من مصلحته ، إلى أن يبلغ النوع الإنساني أشُدّه وتكون الأعلام التي نصبها لهدايته إلى سعادته ، كافية في إرشاده ، فتختم الرسالة ، ويغلق باب النبوة » (١) .
ثم إنّ هؤلاء الذين اتّخذوا لأنفسهم موقفاً مسبقاً في سعة الوجود وضيقه ، وسعة أدوات المعرفة وضيقها ، فعجزوا عن إدراك الوحي كنوع متميز عن الإدراكات البشرية ، حاولوا تحليله بأُصول مادية حتى يسهل عليهم تصديق الأنبياء وعدم اتّهامهم بتعمد الكذب . فمالوا يميناً وشمالاً في بيان حقيقته : فتارة يرون الوحي نوعاً من النبوغ الخاص بالأنبياء ، وأخرى نتيجة ظهور الشخصية الباطنية للرسول ، فتلهمه بما ينفعه وينفع قومه . ونحن فيما يلي نتعرض إلى هاتين النظريتين ونحللهما الواحدة بعد الأخرى ، ثم نعرّج على بيان نظرية الفلاسفة في حقيقة الوحي :
إنّ هناك أُناساً يفسرون النبوات والرسالات ونزول الوحي على العباد الصالحين بنحو يجمع بين تصديق الأنبياء من جانب ، والأُصول العلمية الحديثة المادية من جانب آخر . ومن هذا الباب تفسير بعضهم النبوة بالنبوغ ، والوحي ـ الذي هو المصدر الوحيد للتسنين والتشريع ـ بلمعات ذاك النبوغ .
وحاصل مذهبهم أنّه يتميز بين أفراد الإنسان المتحضر ، أشخاص يملكون فطرة سليمة ، وعقولاً مشرقة ، تهديهم إلى ما فيه صلاح الإجتماع وسعادة الإنسان ، فيضعون قوانين فيها مصلحة المجتمع ، وعمران الدنيا . والإنسان
__________________
(١) رسالة التوحيد . ص ١٠٩ ـ ١١١ .