يصف الذكر الحكيم الأنبياء بالعصمة بلطائف البيان ودقائقه ، مما يحتاج في الوقوف عليه إلى التدبّر بإمعان ، ولأجل إيقاف الباحث على نماذج من هذه التوصيفات مع مراعاة ما يقتضيه المقام ، نكتفي بالبحث عن آيتين منها (١) .
الآية الأولى : قال عزّ وجل : ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * ذَٰلِكَ هُدَى اللَّـهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ . . . أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ﴾ (٢) .
إنّ الآية الأخيرة تصف الأنبياء بأنّهم مهديّون بهداية الله سبحانه ، على وجه يجعلهم القُدوة والأُسوة ، هذا من جانب .
ومن جانب آخر ، نرى أنّه سبحانه يُصرّح بأنّ من شملته الهداية الإلهية لا مُضِلَّ له ، يقول تعالى : ( وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ، وَمَن يَهْدِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ . . . . ) (٣) .
وفي آية أخرى يُصرِّح بأنّ حقيقة العصيان ، الضلالة والإنحراف عن الجادة الوسطى ، يقول عزّ مِنْ قائل : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا
__________________
(١) راجع في الوقوف على سائر الآيات ودلالتها ، مفاهيم القرآن ، ج ٤ ص ٤٢٣ ـ ٤٣١ .
(٢) سورة الأنعام : الآيات ٨٤ ـ ٩٠ .
(٣) سورة الزمر : الآيتان ٣٦ و ٣٧ .