إنّ الكتاب الذي جاء به نبي الإسلام سنداً لنبوته ، يؤدّي مهمّتين :
١ ـ يثبت أنّه مبعوث من جانبه سبحانه ، وفي هذا يتساوى مع معاجز المتقدمين عليه من الأنبياء .
٢ ـ يهدي الناس إلى أُصول المعارف والعقائد ، يتكفّل بتربية البشر وسوقهم إلى الفضائل الأخلاقية ، وهذه مزية تختص بمعجزته الخالدة ، ولا توجد في معجزة أخرى . فإن ما جاء به الكليم والمسيح من المعاجز كانقلاب العصا إلى الثعبان ، وإحياء الموتى ، لا يؤدّي سوى مهمة واحدة وهي إثبات أنّ الجائي بها مبعوث من جانب الله سبحانه . وأمّا المعجزة الخالدة ، فهي تهدى ـ مضافاً إلى ذلك ـ إلى المعارف العليا ، وكرائم الأخلاق ، والفرائض والمنهيات . فهي بمفردها : برهان نبوته ، وهادي أُمّته إلى ما يجب عليهم الإعتقاد به أو العمل به .
وبعبارة أخرى : إنّ معاجز الكليم والمسيح معاجز جسمانية ، لا تثبت إلّا صلتهما بالله سبحانه ، وأمّا القرآن الكريم فهو معجزة معنوية ، تصقل العقول والأرواح ، وتُرْشد إلى طريق الخير والصلاح . والنبي الأكرم قام ـ بفضل هذه المعجزة ـ بصنع أُمة ، بلغت من الفضل والكمال كل مَبْلغ بعدما كانت غارقة في الجهل والأُمّية .
إنّ لهذا الكتاب مزية ثانية تفتقدها سائر المعاجز ، حتى المعجزات الأخرى للنبي الأكرم ، وهي أنّ سائر المعاجز لا تثبت شيئاً إلّا أن يكون معها مدّعي النبوة ، فيدّعي ويُسأل البينة ، فيأتي بالمعجز ، ويتحدّى به ، إلى آخر ما ذكرنا من شروط المعجز .
وأمّا القرآن الكريم ، فإنّه بنفسه
يقوم بكل هذه الأُمور ، فيطرح بنفسه