التقنين القرآني يتبنّى الموضوعية في تشريعه ولا يتبنّى ترضية المجتمع وأهواء بني البشر ، وبما أنّ الإنسان موجود مركّب من جسم وروح ، فالتقنين القرآني يتبنّى سلامة الجسم والروح معاً ، فما كان مُضِرّاً بواحد منهما ، يُحَرِّمُهُ ، وإنْ كانت تلبية رغبات المجتمع على خلافه .
فَحَرّم الإسلام أكل الخنزير وشرب الخمر ، والدم ، وكل خبيث ، لأنّ كل ذلك ينافي صحة الإنسان في بدنه وعقله . كما حَرّم الكذب ، والتهمة ، والنمامية ، والغِيبة ، وغير ذلك من رذائل الأخلاق ، لأنّ في ذلك ضرر بالإنسان بجسمه وروحه ، وفرده ومجتمعه . يقول سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ) (١) .
* * *
إنّ العصر الحديث يواجه في سبيل تطبيق قوانينه الوضعية ، مشكلة كبرى ، ناتجة عن فقدان قوانينه للضمانات الكفيلة بتطبيقها بنحو كامل ، وليس لديه غير عقوبات جزائية ، من المعلوم أنّها لا تكفي في تطبيقها ، ما لم يكن هناك وازع داخلي يمنع من التخلّف عنها ولأجل ذلك يواجه المجتمع البشري مشكلة انعدام الأمن الإجتماعي بألوانه وصوره .
وأمّا قوانين الإسلام التي نادى بها القرآن ، ففيها الدوافع والحوافز المفقودة في غيرها من القوانين ، وذلك لأسباب :
الأول ـ المجتمع الإسلامي يرى القانون مظهراً لإرادة الله سبحانه ، وأنّ مخالفته ، مخالفة لدعوة قدرة كبرى لا يمكن الفرار منها ، وأنّ العقوبة لفي المرصاد
__________________
(١) سورة الحجرات : الآية ١٢ .