للمجرم ، لا مَفَرَّ له منها ، وستناله يد العدالة الإِلهية ، وإن كان غائباً عن أبصار الناس ، مختلياً بجرمه في أعماق مغارات الأرض .
إنّ الكون كلَّه في نظر المؤمن المسلم عيون تراقب أفعاله ، وأسماع تسمع كلامه ، وتسجل كل ما يفعل ويقترف :
يقول سبحانه : ( هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (١) .
ويقول سبحانه : ( مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (٢) .
وإنّما تتجلى تلك الحقيقة إذا كان المجتمع معتقداً بأنّ العقاب الأُخروي ، وجودٌ أُخروي لعمل المرء الدنيوي ، وأنَّ لكل عمل ـ خيراً كان أو شراً ـ وجودين متناسبين لظروفهما ، فاكتناز الذهب والفضة ، وعدم إنفاقهما في سبيل الله ، يَتَمَثَّلُ في الآخرة ، ناراً تَكوي جباه الكانزين وظهورَهم وجنوبهم ، ويقال لهم : هذا الذي يَكْوي أعضاءكم هو نفس الذهب والفضة التي كنزتموها (٣) .
الثاني ـ إنّ التشريع القرآني ليس دين الرهبة فقط ، بل هو دين الرَّغبة أيضاً ، حيث وعد المطيعين ، ثواباً عظيماً قال سبحانه : ( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) (٤) .
وقال سبحانه : ( وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا . . .) (٥) .
الثالث ـ قَرَن هذا الوازع الداخلي بوازع خارجي ، فأوعد المتمردين عقوبات دنيوية من حدود وتعزيرات ، فأكمل بذلك حوافز التطبيق .
__________________
(١) سورة الجاثية : الآية ٢٩ .
(٢) سورة ق : الآية ١٨ .
(٣) سورة التوبة : الآيتان ٣٤ و ٣٥ .
(٤) سورة الأنعام : الآية ١٦٠ .
(٥) سورة النساء : الآية ١٣ .