إنّ ثقة الناس بالأنبياء ، وبالتالي حصول الغرض من بعثتهم ، إنّما هو رهن الإعتقاد بصحة مقالهم وسلامة أفعالهم ، وهذا بدوره فرع كونهم معصومين عن الخلاف والعصيان في السرّ والعلن من غير فرق بين معصية وأخرى ، ولا بين فترة من فترات حياتهم وأخرى .
وذلك لأنّ المبعوث إليه إذا جوّز الكذب على النبي ، أو جوّز المعصية على وجه الإطلاق ، جوّز ذلك أيضاً في أمره ونهيه وأفعاله التي أمره باتباعه فيها . ومع هذا الإحتمال لا ينقاد إلى امتثال أوامره ، فلا يحصل الغرض من البعثة ، لأنّه ـ بحكم عدم عصمته ـ يحتمل أن يكون كاذباً في أوامره ونواهيه ، وأن يتقول على الله ما لم يأمر به . ومع هذا الإحتمال ، لا يجد المبعوث إليه في قرارة نفسه حافزاً إلى الإمتثال .
ومثلُ قولِه فعلُه ، فإنّ الأُمة مأمورة باتباع أفعاله ، قال سبحانه : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ ﴾ (١) . فإذا احتملنا كون عمله على خلاف رضاه سبحانه ، فكيف نجد في أنفسنا الباعث على اتّباعه .
وبالجملة ، بما أنّ النبيّ ، قولَه وفعلَه ، حجّتان ، فيجب اتّباعه فيهما ، وهذا لا يحصل إلّا عند الوثوق بصحتهما ، ومع عدم حصول هذا الوثوق تنتفي بواعث الاتّباع ، فلا يحصل الغرض .
قال المحقق الطوسي في التجريد : « ويجب في النبي العصمة ليحصل الوثوق ، فيحصل الغرض » (٢) .
ثم إنّ هنا أسئلة حول هذا الدليل نطرحها ، واحداً بعد الآخر :
* السؤال الأول ـ يمكن أنْ يقال : يكفي في الإعتماد على قول النبي ، مصونيته عن معصية واحدة ، هي الكذب ، دون سائر المعاصي .
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ٣١ .
(٢) كشف المراد ، ص ٢١٧ ، طبعة صيدا .