والجواب : إنّ التفكيك بين المعاصي فرضية محضة لا تصحّ أن تقع أساساً للتربية العامة ، لما فيها من الاشكالات .
أمّا أولاً ـ فلأنّ المصونية عن المعاصي نتيجة إحدى العوامل التي أوعزنا إليها عند البحث عن حقيقة العصمة ، فإنّ تَمَّ وجودها أو وجود بعضها ، حصلت المصونية عن المعاصي برمتها ، ولا يعقل معها التفكيك بين الكذب وسائر المعاصي ، بأن يجتنب الكذب طيلة حياته ، بينما هو في الحين ذاته يسرح في سائر المعاصي ويمرح ، فإنّ العوامل التي تسوق الإنسان إلى اقترافها ، تسوقه أيضاً إلى اقتراف الكذب .
وأمّا ثانياً ـ فلأنّ التفكيك بينهما لو صحّ في عالم الثبوت ، فلا يمكن إثباته في حقّ مدّعي النبوة بأن يثبت أنّه لا يكذب أبداً مع ركوبه سائر المعاصي ، فمن أين يحصل للأُمة العلم بأنّ مدّعي النبوة مع اقترافه لأنواع الفجور والمآثم لا يكذب أبداً ، بل حتى لو صرّح الداعي إلى الإصلاح بنفس هذا التفكيك ، لم يذعن له أحد ، لسريان الريب إلى نفس هذا التصريح .
* السؤال الثاني ـ إنّ أقصى ما يثبته هذا الدليل ، هو لزوم نزاهة النبي عن اقتراف المعاصي في الظاهر وبين الناس ، وهذا لا يخالف عصيانه في الخلوات ، فإنّ ذاك القدر من النزاهة كافٍ في جلب الثقة .
والجواب : إنّ نسبة هذا الأمر ( ركوب المعاصي في السرّ دون العلن ) إلى مدّعي النبوّة ، يهدم الثقة به من أساسها إذ ـ حينذاك ـ ما الذي يمنعه من أن يكذب ولا يُعلم كذبه ، فإذا تطرّق هذا الإحتمال إلى جميع أقواله ، انتفت الثقة فيه بالكليّة .
أضف إلى ذلك ، أنّ من كانت هذه حاله ، وإنْ أمكنه خداع الناس بتزيين الظاهر مدّة من الزمن ، إلّا أنّه لن يتمكن من البقاء على ذلك أبداً ، بل لن ينقضي زمان إلّا وترتفع الأستار وتكشف البواطن ، فتظهر سوأته ويبدو عيبه .
* السؤال الثالث ـ إنّ هذا الدليل لا يثبت أزيد من عصمة الأنبياء بعد البعثة لحصول الوثوق في تلك الفترة ، ولا يثبت لزوم عصمتهم قبلها .