كان رجلاً فصيحاً معروفاً بالكهانة ، والسجع ، والخطابة ، والشعر ، والنسب . وقد تنبّأ على عهد النبي وخرج باليمن وهو ممن أراد أن يحذو حذو نبينا الأمين ، لكن بتسجيع الكلم وحده . فأراد أن يباري سورة الأعلى فقال :
« سبّح اسم ربّك الأعلى ، الذي يسّر على الحبلى ، فأخرج منها نسمة تسعى ، من بين أضلاع وحشى ، فمنهم من يموت ويدسّ في الثرى ، ومنهم من يعيش ويبقى » . وهي ـ كما ترى ـ صفر من الحكمة العالية ، إلّا الجملة الأولى .
فقد جاء هؤلاء إلى حلبة المعارضة لأنّهم كانوا بمكان من الإنحطاط الفكري والأخلاقي ، وأمّا المحنكون ذوو الضمائر الحرّة من العرب فلم ينزلوا إلى ميدان المعارضة لوقوفهم على أنها تبوء بالفشل ، وحفظوا كرامتهم من التسرع إلى حركات صبيانية .
وأمّا هؤلاء فهمّوا أن يعارضوا القرآن ، فكان ما أتوا به باسم المعارضة لا يخرج عن أن يكون مجادلات مضحكة مخجلة ، أخجلتها أمام الجماهير وأضحكت الجماهير منهم ، فباءوا بغضب من الله وسخطٍ من الناس ، فكان مصرعهم هذا ، كسباً جديداً للحقّ ، ورهاناً آخر على أنّ القرآن كلام الله القادر وحده ، لا يستطيع معارضته إنس ولا جان ، ومن ارتاب فأمامه الميدان .
هؤلاء هم الذين حاولوا معارضة القرآن من القدماء ، الذين عاصروا النبي أو عاشوا بعده بُرهة من الزمن ، ولم يكن ما أتوا به إلّا سقطات من الكلم أو الفاظًا جوفاء ، أو أسجاعاً سخيفة . وهناك رجالات آخرون رُموا بأنّهم عارضوا القرآن الكريم ، وهم في الثقافة والأدب بمكان عالٍ ، غير أنا نشك في صحة نسبة المعارضة إليهم ، وإنّما رموا بها إمّا لكونهم من الملاحدة المعروفين كعبد الله بن المقفع ، أو من الشخصيات البارزة التي يحسدها أعداؤها فأوقعوها بافتراءات الزندقة ، ثم معارضة القرآن الكريم ، فمنهم :