المرتبة الثانية للعصمة
عصمة النبي في تبليغ الرسالة
ذهب جمهور المتكلمين من السنّة والشيعة إلى عصمة الأنبياء في هذه المرحلة ، ونُسب إلى أبي بكر الباقلاني ( المتوفى سنة ٤٠٣ ) تجويز الخطأ في إبلاغ الرسالة سهواً ونسياناً ، لا عمداً وقصداً .
قال صاحب المواقف : « أجمع أهل الملل والشرائع على عصمتهم عن تعمُّد الكذب فيما دلّت المعجزة على صدقهم فيه ، كدعوى الرسالة وما يبلغونه عن الله . وفي جواز صدوره عنهم على سبيل السهو والنسيان خلاف ، فمنعه الأُستاذ وكثير من الأئمة ، لدلالة المعجزة على صدقهم ، وجوّزه القاضي مصيراً منه إلى عدم دخوله في التصديق المقصود بالمعجزة » (١) .
هذا رأي الأشاعرة ، وأمّا المعتزلة فإليك رأيهم بلسان القاضي عبد الجبّار ، قال :
« إنّا لا نجوز عليه ( النبي ) السهو والغلط فيما يؤدّيه عن الله تعالى ، وإنّما نجوّز عليه أن يسهو في فعل قد بيّنه من قبل ، وأدّى ما يلزم فيه حتى لم يغاير منه شيئاً . فإذا فعله مرة لمصالحه ، لم يمتنع أن يقع فيه السهو والغلط . ولذلك لم يشتبه على أحد الحال في أنّ الذي وقع منه من القيام في الثانية هو سهو ، وكذلك ما وقع
__________________
(١) المواقف ، ص ٣٥٨ .