ولكن دعاة الإصلاح الماديين ، يتّخذون ذلك الإقتراح مطيّة لآمالهم ، فيجيبونه ، حتى إذا تغلّبوا على أعدائهم ، خالفوهم ، وقضوا عليهم وعلى معتقداتهم .
* * *
الناموس المطّرد في الشخصيات ، هو أنّ كل إنسان بارز ، يجذب إليه من يوافق أفكاره وعقلياته ، فالشخصيات الصالحة تجتمع حولها ، رجال الطهارة والإيمان والنزاهة ، كما أنّ الشخصيات الطالحة ، تجذب إليها الأشرار والأراذل ولأجل ذلك يقال في المثل السائد : « قُلْ لي مَنْ تعاشر ، أَقُلْ لك من أنت » ، ويقول الشاعر :
عن المرء لا تسأل وسَلْ عن قرينه |
فكلُّ قرينٍ بالمقارن يُقْرَنُ |
وهذه وإن لم تكن قاعدة كلية ، إلّا أنّها قاعدة غالبية .
وعلى ضوء ذلك الناموس الإجتماعي ، يمكن التعرّف على النبي عن طريق حوارييه وأصحابه . فنجد فيهم أصحاب عقل وعبقرية ، يضنّ بهم الدهر إلّا في فترات متباعدة ، كالإمام علي بن أبي طالب ، وسلمان الفارسي ، وأبى ذرٍّ المجاهد الكبير ، وخبّاب بن الأرت ، وغيرهم من الشخصيات . وهذا كتاب الرسول ، يأمره بمجالسة الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي وتجنّب معاشرة المُتْرَفين المُغَفَّلين .
يقول سبحانه : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ، وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) (١) .
__________________
(١) سورة الكهف : الآية ٢٨ .