فهذا « نهرو » بلغ من التجاوب مع قومه إلى حدّ أنّه كان يشترك معهم في مراسم عبادة البقر ، والتبرّك بفضلاتها ، لكونه مطلوباً عند الشعب ، ومخالفةُ الرأي العام مضرّة بشخصيته وأهدافه .
فالسياسيون لا يتورعون في تحقيق أهدافهم ، عن استغلال جهل شعوبهم . وأمّا الأنبياء فقد بعثوا لمكافحة الجهل ، سواء أكان جهل الناس مفيداً لأحوالهم الشخصية أم نافعاً ، ونذكر لذلك نموذجاً من سيرة النبي الأكرم :
عندما توفي ولده إبراهيم ، غشي الشمس كسوف ، فتلقاه الناس أمراً معجزاً ، وأنّ المصيبة تركت أثرها في الأرض والسماء ، وانكسفت الشمس لموت ولده . فلو كان النبي رجلاً مادياً ، طالباً للمنصب والمقام ، لأصفق مع شعبه في هذه العقيدة ، وتركهم عليها ، ولكنه رجل إلهي واقعي ، فصعد المنبر ، وأماط الستر عن وجه الحقيقة ، فقال :
« أَيُّها الناس ، إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، يجريان بأمره ، مطيعان له ، لا ينكسفان لموت أحد ، ولا لحياته ، فإذا انكسفا أو أحدهما ، صلُّوا » .
ثم نزل من المنبر ، فصلّى بالناس الكسوف ، فلما سلّم ، قال : « يا عليُّ ، قمّ فَجَهِّز إِبني » (١) .
ومن دلائل كون النبي رجلاً واقعياً ، يطلب الحقائق ، ولا يستعمل في أساليب دعوته الخُدْعة ، هو أنّ نفراً من قريش طلبوا من النبي أن يعبد آلهتهم ، حتى يعبدوا إلهه ، فقام النبي في وجه المعترضين بصراحة ، وقال : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) (٢) .
__________________
(١) المحاسن ، للبرقي ، ص٣١٣ . وبحار الأنوار ، ج ٢٢ ، ص ١٥٦ . والسيرة الحلبية ، ج ٣ ، ص ٣٤٨ .
(٢) سورة الكافرون .